بعد مدارسة لحوالي 25 بحثا فقهي وسياسي في موضوع الفقه السياسي للمسلمين في أوروبا، وذلك في إطار الدورة العادية السادسة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ليوليوز 2006 والتي انعقدت باستانبول في تركيا، برئاسة سماحة الشيخ الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي رئيس المجلس وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين، خلص المجلس في بيانه الختامي إقرار مبادئ هامة في مجال المشاركة السياسية والمواطنة في أوروبا، والتي تمثل أحد الاجتهادات المعاصرة المجددة في الفقه السياسي الإسلامي المعاصر، والتي عرضت في صيغة خمس قرارات شملت: 1 ـ المسلمون مواطنون ومقيمون في أوروبا 2 ـ ولاء المسلم في البلاد الأوربية 3ـ حكم الإقامة في غير البلاد الإسلامية 4ـ المواءمة بين التقيد بالثوابت وبين مقتضيات المواطنة 5 ـ المشاركة السياسية أحكامها وضوابطها وبحسب البيان فقد تم التمهيد لهذه القرارات الخمس بمستخلصات البحوث التي قدمت في الندوة وهي: أولاً: السياسة في الإسلام، هي: تحقيق مصالح الناس وفق الأحكام الشرعية التي تستنبط من النص أو الاجتهاد، وتشمل الفرد والمجتمع فيما يتصل بشأن الدنيا والآخرة. ثانياً: السياسة جزء من الإسلام الذي يشمل كل جوانب الحياة عقيدة وأخلاقاً ومنهجاً وتشريعاً، في العبادات، أو المعاملات الدولية والدستورية، أو الإدارية والقضائية والاجتماعية والتعليمية. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين السلطتين الدينية والدنيوية ورسالته صلى الله عليه وسلم مشروع شامل لإصلاح المجتمعات الإنسانية لتحقيق عبادة الله وعمارة الأرض؛ لذا يؤمن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بأن هناك مزجاً بين الدين والسياسة لشمولية الإسلام الذي يرفض تجزئة أحكامه. ثالثاً: الديمقراطية في المنظور الإسلامي جوهرها تأكيد للشورى مع التزام بالثوابت والقطعيات بما يحقق استقرار النظام السياسي الإسلامي، كما تحقق العدالة والمساواة بين كافة المواطنين، والرقابة على أعمال الدولة. رابعاً: العمل السياسي في الإسلام فرض كفاية وقد يتعين أحياناً؛ لأنه داخل فيما أمر الله به من نشر الخير والدعوة إليه، ومعارضة ما يضر بالمجتمع، وهو يرتكز على قواعد ومبادئ أساسية. وبناء على ما جرى استعراضه ومناقشته في هذه الندوة، فقد أصدر المجلس ما يلي: قرار 1/16 المسلمون مواطنون ومقيمون في أوروبا مما تحصَّل من بعض الأبحاث التي تناولت موضوع تقسيم العالم إلى (دار إسلام) و(دار حرب) و(دار عهد)، قرر المجلس ما يلي: أولاً: إن تقسيم الدور في الفقه الإسلامي إلى (دار إسلام) و(دار حرب) و(دار عهد) يعود إلى الصدر الأول وفي سياق حالة الحرب، وهي حالة استثنائية، إذ أن الإسلام يقرر أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش السلمي. ثانياً: جميع ما تضمنه الفقه الإسلامي من آثار ذلك التقسيم والأحكام الشرعية التي ترتبت عليه، كان تبعاً للحالة القائمة يومئذ بين الدولة الإسلامية وسائر العالم من حولها. ثالثاً: واقع المسلمين اليوم في الدول الأوربية أنهم يعيشون في بلاد التعددية الدينية والثقافية والإثنية القائمة على السلم المحقق للأمن والكافل للحقوق المشتركة، وهم صنفان: ـ الأول: مواطنون، قد ضمنت لهم القوانين جميع حقوق المواطنة، ومنها حرية التدين والمحافظة عليه، والتمكين من التعريف به، فهؤلاء عليهم المحافظة على ما يقتضيه عقد المواطنة من التزام قوانين البلاد. وقد قال الله تعالى: )يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالعُقُودِ( المائدة: .1 ـ والثاني: مقيمون، وحيث إن طبيعة هذا الصنف أنه لا يمنح الإقامة إلا بتأشيرة الدخول، فهو يدخل في صيغة تعهد وتعاقد توجب التزام قوانين البلاد. وذلك وفاء بالعهد الذي قال الله تعالى فيه: )وَأوْفُوا بِالْعَهْدِ، إنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْئُولاً( الإسراء: .34 رابعاً: على المسلمين جميعاً الالتزام بأخلاقيات الإسلام، بما فيها أحكام الحلال والحرام، سواء كانت إقامتهم في بلاد المسلمين أو غيرها. قرار 2/16 قرار في ولاء المسلم في البلاد الأوربية بعد استعراض الأبحاث التي تناولت موضوع الولاء وأثره على المسلم المواطن أو المهاجر المقيم في أوروبا، قرر المجلس ما يلي: أن الولاء رباط وثيق، يربط الإنسان بعلاقة خاصة ووشيجة حميمة، تنشأ عنها التزامات وحقوق وواجبات، وهذه العلاقة ذات أوجه مختلفة، وأبعاد متعددة: فالولاء قد يكون للعقيدة. وقد يكون للنسب والقوم. وقد يكون بالعهد والعقد. وقد أشار القرآن والسنة إلى هذه المعاني جميعاً. وأعلى هذه الولاءات منزلة الولاء للعقيدة الذي يدخل فيه الإيمان بأركانه، وما يترتب على ذلك من ممارسة الشعائر، والالتزام بالأخلاق الفاضلة. وهذا الولاء لا يتناقض مع الولاء للوطن الذي يرتبط معه الإنسان بعقد المواطنة، فيدافع عن حوزته ضد أي اعتداء. قرار 3/16 قرار في حكم الإقامة في غير البلاد الإسلامية تناولت بعض الأبحاث حكم إقامة المسلم في بلاد غير إسلامية، وذلك في ضوء نصوص الكتاب والسنة ومذاهب فقهاء الإسلام، وخلص إلى توكيد فتوى سابقة له في مشروعية الإقامة في غير البلاد الإسلامية، مع إضافة ما يلي: أولاً: متى وُجد الأمن للمسلم في نفسه ودينه في بقعة من الأرض، ينال فيها حقوقه التي تمكّنه من ممارسة شعائر دينه، دون إضرار به، فإقامته في تلك البقعة تتردد بين أحكام ثلاثة حسب مقتضيات الحال: الأول: الجواز، وذلك في حالة تساوي إقامته فيها مع إقامته في غيرها. الثاني: الاستحباب، وذلك في حالة تمكنه من المشاركة الإيجابية في المجتمع والتعريف بمحاسن دينه ومكارم الأخلاق والقيم الفاضلة، بأكثر مما يكون في غيرها. والثالث: الوجوب، وذلك في حالة ما إذا ترتب على هجرته ضرر أو فساد محقق، وكان قادراً على رفعه ورده. ثانياً: إن الهجرة من مكان إلى آخر بحسب مفهومها الشرعي ليست مطلوبة شرعاً إلا إذا خاف المسلم على دينه، وأوذي بسبب ممارسة شعائر دينه، وتضرر بذلك في نفسه أو أهله أو ماله. قرار 4/16 قرار بشأن المواءمة بين التقيد بالثوابت وبين مقتضيات المواطنة اطلع المجلس على القرار رقم 155 (4/17) المتصل بهذا الموضوع، والصادر عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة عشرة، ومما جاء في نص القرار ويؤكد عليه المجلس ما يلي: يقصد بالمواطنة: الانتماء إلى دولة معينة أرضاً وواقعاً، وحمل جنسيتها. ويقصد بالثوابت الإسلامية: الأحكام الشرعية الاعتقادية والعملية والأخلاقية التي جاءت بها النصوص الشرعية القطعية، أو أجمعت عليها الأمة الإسلامية، ويشمل ذلك ما يتعلق بحفظ الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. ومشروعية إسهام المسلمين في غير الدول الإسلامية في الأنشطة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، التي لا تتعارض مع الثوابت المتقدمة، ولا سيما إذا اقتضت المواطنة ذلك، شريطة ألا تهدد هويتهم وشخصيتهم الإسلامية. وأن لا يصار في الفتاوى إلى مبدأ الاستثناء بشأن المسلمين في غير الدول الإسلامية، إلا عند تحقق موجبات الضرورة، أو الحاجة، مع الالتزام بالتقدير بقدرهما. قرار 5/16 المشاركة السياسية أحكامها وضوابطها بعد تدارس البحوث المقدمة المتعلقة بهذا الموضوع، قرر المجلس ما يلي: أولاً: هدف المشاركة السياسية هو صيانة الحقوق والحريات والدفاع عن القيم الخلقية والروحية، وعن وجود المسلمين في ذلك البلد ومصالحهم المشروعة. ثانياً: الأصل مشروعية المشاركة السياسية للمسلمين في أوروبا، وهي تتردد بين الإباحة والندب والوجوب، وهذا مما يدل عليه قوله تعالى: )وَتَعاوَنُوا على البِرِّ والتَّقْوى، وَلا تَعاوَنُوا على الإثْمِ وَالعُدْوانِ المائدة: ,2 كما أنه يعتبر من مقتضيات المواطنة. ثالثاً: المشاركة السياسية تشمل الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني والالتحاق بالأحزاب، وتكوين التوجهات، والمشاركة في الانتخابات تصويتاً وترشيحاً. رابعاً: من أهم ضوابط المشاركة السياسية الالتزام بالأخلاق الإسلامية، كالصدق والعدل والوفاء والأمانة، واحترام التعددية والرأي المخالف، والتنافس النزيه مع المعارضين، وتجنب العنف. خامساً: من أهم ضوابط المشاركة السياسية: التصويت في الانتخابات، بشرط الالتزام بالقواعد الشرعية والأخلاقية والقانونية، ومنها وضوح المقاصد في خدمة مصالح المجتمع، والبعد عن التزوير أو التشهير، والتجرد من الهواء الشخصية. سادساً: جواز بذل المال للحملة الانتخابية، حتى لو كان المرشح غير مسلم، ما دام أقدر على تحقيق الصالح العام. سابعاً: مشروعية المشاركة تنطبق على المرأة المسلمة، كالرجل.