نقصد به الطبيعة الحقوقية لمطلب الدسترة الذي يستدعي الإجابة عن أسئلة من قبيل: ما العلاقة بين ترسيم لغة ما وهوية المجتمع؟ وهل يعد ترسيم لغة ما تفعيلا لمبادئ حقوق الإنسان؟ وهل يعد عدم ترسيمها خرقا لمبادئ حقوق الإنسان؟ تتطلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة استحضار تجارب دول أخرى، أو هيئات معترف لها بالمصداقية والدفاع عن حقوق الإنسان، كما يتطلب استحضار المطالب التي تقدمها الكثير من الحركات الأمازيغية. لكن هذا الاستحضار من قبلنا مقيد بشروط نعتبرها أساسية، ذلك أن المطالب حق مشروع يؤكد حيوية الحركات الاجتماعية والمدنية والسياسية، وفي حالتنا فإن المبدأ يعني مشروعية المطالب في جزئها الإجرائي باعتبارها اقتناعات لمواطنين مغاربة، لكن مضامين هذه المطالب هي أساس نقاشنا. فقد انتقلت مطالب الحركات الأمازيغية من مطلب الإقرار بالهوية إلى المطالبة بصفة اللغة الوطنية وصولا إلى المطالبة بصفتي اللغة الوطنية والرسمية وعدم إدماج البعد الديني في نص الدستور. لنقارب، إذن، مطلب ترسيم الأمازيغية في علاقته بالهوية أولا، ثم نتبع ذلك بالحديث عن علاقته بحقوق الإنسان حيث نقدم طرحا يرى أن مبدأ ترسيم لغة ما لا يمت بصلة إلى الهوية وقضاياها، فالكثير من الدول التي اختارت لغاتها الرسمية لم تخترها بناء على معيار الهوية، بل على معايير الوظيفية الاقتصادية والإدارية والتواصلية والدولية. أما ربط الترسيم بحقوق الإنسان ففيه الكثير من النظر، ويكفي أن نستحضر اختيارات الأممالمتحدة للتدليل على ذلك، فالأممالمتحدة باعتبارها كيانا معنويا يضم هويات مختلفة هي الدول المنتمية إليها، والتي تفوق 190 دولة اختارت ست لغات رسمية ضمنها اللغة العربية الفصحى، استنادا إلى معايير محددة مثل معيار عدد الناطقين بهذه اللغات أو المعيار الوظيفي أو المعيار الاقتصادي. وهذا الاختيار لم يكن محل طعن في مدى تشبث الأممالمتحدة بحقوق الإنسان، وهي صاحبة المواثيق الدولية التي يحتكم إليها المقتنعون بالحقوق الإنسانية من ضمنها الحقوق الثقافية واللغوية. من الناحية المبدئية، إذن، موضوع ترسيم لغة ما لا علاقة له بالهوية وقضاياها، بل إنه مرتبط بالوظيفية، لأن اللغة الرسمية هي لغة العمل. ومن الناحية العملية، فإن ترسيم لغة ما أو عدة لغات هو قضية إمكانات مادية واقتصادية ووظائف دولية. ويمكن في هذا الصدد الاطلاع على التجربة الكندية أو البلجيكية. ومن الناحية الحقوقية لا يمكن الجزم بالتعالق بين حقوق الإنسان والترسيم. ورغم كل ذلك نقول بأن من حق كل مواطن مغربي أن يطالب بما يراه متجاوبا مع ما يعتبره في لحظة تاريخية ما مكونا لهويته، لكن ذلك لا يعني أن المطالب ينبغي أن تبنى على حقوق الآخرين. أي أن فئة من المغاربة تطالب بحقوقها وتجعل جزءا من مشروعية مطالبها مؤسسا على الدعوة إلى اغتيال جزء من مكونات الهوية المغربية، وإلا فما معنى إحداث تقابل غير مسوغ بين العربية والأمازيغية، وانتقاد العربية بشكل فج يصل حد التجريح والتنقيص؟ لنترك هذه الأسئلة التي تحمل مضمراتها ولننتقل إلى مناقشة مطلب التوطين، أي المطلب الداعي إلى جعل الأمازيغية لغة وطنية.