أنا فتاة في السادسة عشر من عمري، توفيت والدتي قبل 4 سنوات، وتزوج والدي بامرأة أخرى منذ سنتين، عندي أختين كبيرتين تزوجتا، وأخي هاجر ليبحث عن عمل في مدينة أخرى مباشرة بعد زواج والدي، المشكل أنها تعاملني بشكل عادي ولا تظهر لي كرهها، لكن ذلك الكره يبدو واضحا، لأنها تطالبني بالقيام بجميع أشغال المنزل في حين تبقى هي أمام التلفاز، كما أنها لا تترك لي الفرصة لأراجع دروسي، ودائما تتحدث لي عن الزواج، وعن أنه علي أن أتعلم أشغال المنزل كي أصبح زوجة صالحة. أخبرت أختاي بالأمر وقد انزعجتا، لكنهما لا تملكان الحل، ووالدي الذي بإمكانه أن يحل المسألة لا أستطيع إخباره بشيء، خاصة أنه تغير تماما منذ أن تزوج، ولا يحتمل أن يتحدث أحد بسوء عن زوجته أمامه. والدي منذ أن تزوج لم يعد يتحدث معي كما في السابق، بل إن اللحظات التي تجمعنا لا تتعدى الجلوس على مائدة الأكل أو عندما يطالبني بالقيام بعمل أو سخرة ما، أما زوجة والدي فهي بارعة في إخفاء نواياها، والمشكل أنها تمر اليوم من فترة الحمل، وتطالبني بالقيام بكل الأشغال المنزلية بدعوى أنها مريضة، ووالدي يجاريها في ذلك، والنتيجة أنني لا أنهي أشغال المنزل إلا في وقت متأخر، ولا أجد الطاقة لمراجعة الدروس، ومؤخرا بدأت أكثر من الغياب لضرورة القيام بأشغال المنزل، دون أن يحرك ذلك شيئا في والدي، وكأن مستقبلي الدراسي لا يهمه في شيء، بل كل ما يهمه هو توفير خادمة لزوجته المدللة، ولو على حساب مستقبل ابنته الصغرى، أرجوكم أخبرني هل أصبر وأستمر في هذا الوضع؟ أم أقوم بتغيير ما لإنقاذ مستقبلي؟ وما هو هذا التغيير؟ اليتيمة ـ بن سليمان ـ *** الأزمة تولد الهمة أثارني في رسالتك توقيعها الذي يختزل حقيقة معاناتك، وأصل كل ما تشعرين به. اليتيمة واليتيم في حد ذاته امتحان عصيب لا يجتازه بنجاح إلا من تسلح بالإيمان، وكان زاده الوعي بمتطلبات المواجهة، ولا تنسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيما، وأن الله تعالى جعل الإحسان إلى اليتيم مفتاحا من المفاتيح الكبرى لولوج المقامات العليا في جنة رضوانه. أما عن سؤالك، فالظاهر أن الحديث عن زوجة الأب القاسية، المهينة، والمؤذية، بكل صور الإيذاء غير وارد بدليل شهادتك، وكل ما في الأمر هو استخدامك في أشغال البيت وأثر ذلك على نفسيتك ودراستك. والظاهر أن زوجة أبيك تبرر سلوكها لك ولأبيك بدعوى أنها تعدك للمستقبل الذي ينتظرك حسب رأيها في الزواج، والحق أن هذا النوع من السلوك المنبني على هذا الفهم منتشر في مجتمعنا. وتدريب الفتاة على أعمال المنزل، وإجهادها في ذلك، إعداد لها لتكون زوجة صالحة أمر قد تلجأ إليه أمهات حقيقيات، وليس بالضرورة دليل على خبث زوجة أبيك ولؤمها، وإلا لبدا هذا اللؤم في ممارسات أخرى لا تدل رسالتك على وجودها. فاحملي هذا الأمر على هذا المحمل واستفيدي من اكتسابك لهذه المهارة؛ ـ ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب دراستك ونجاحك، ولا على حساب نفسيتك. عزيزتي إن الطاقة النفسية التي يستهلكها منك مثل هذا الموضوع (أي أنك يتيمة وتعيشين خادمة لزوجة الأب) قد تفوت عليك فرصا كثيرة للنجاح والتفوق الدراسي أكثر بكثير مما يفوته عليك الإجهاد البدني في الأعمال المنزلية، سيما وأن عددكم في البيت قليل ولا تتطلب خدمته جهدا كبيرا. لذلك أنصحك بما يلي: ـ أحسني الظن بزوجة أبيك، وصارحيها بالتزاماتك الدراسية، وحاولي كسب ودها وعطفها عليك بأدب وذكاء. ـ صارحي والدك فيما زاد عن طاقتك من الأعمال وبيني له ما يجهدك، والتمسي منه التدخل، ويمكنك أن تجعلي أحد أساتذتك وسيطا بينك وبين أبيك، ليبين له أهمية حرصك على الدرس والتحصيل، وأهمية توفير الشروط المناسبة لذلك. ـ تذكري دائما أن الأزمة تولد الهمة، وأن طاقة الإنسان تتوسع وتتمدد وتكبر بقدر همته، وبقدر ما يتعلق به من معالي. لذلك احرصي على دراستك، وراهني على النجاح والتفوق، واعلمي أن ظرفك الاجتماعي أهون بكثير من ظروف كثيرة يراهن أهلها على النجاح وينجحون. ـ تسلحي بالحكمة والصبر، فلن تجدي خيرا من بيت والدك، ولن يكون هناك مكان من العطف أكثر مما تتمتعين به الآن. فاصبري وضاعفي الجهد من أجل نجاحك الدراسي، فقد يكون البساط الذي يحملك بسلام إلى شاطئ الاستقلالية والكرامة التي لن تتأخري عنها كلما حرصت على التفوق والتميز الدراسي والأخلاقي، ومن التميز الأخلاقي إحسان الظن بالناس، والحلم، والمثابرة، وقوة الإرادة.