احتضنت جماعة أحد الدرى بإقليم الصويرة قبل أيام الدورة السنوية لموسم ركراكة التي تستغرق 44 يوما بمنطقتي عبدة والشياظمة، وتختم أنشطتها بسيدي علي بن معاشو بمركز جماعة أحد الدرى، ويعرف هذا الموسم فيما مضى رواجا تجاريا يقصده العديد من الباعة من مناطق عدة من المغرب، ويشرف عليه شرفاء ركراكة الذين يكرمون من لدن ساكنة المنطقة التي يقام فيها الموسم تقديرا للدور التاريخي الذي قام به ركراكة بعبدة والشياظمة، إلا أن موسمهم بدأ يعرف مجموعة من الظواهر كانتشار الشعودة والخرافة ومعاقرة الخمر في واضحة النهار. تدافع نصبت الخيمة بإحدى أماكن مركز جماعة أحد درى، فهي رمز شرفاء ركراكة كانت تحظى باحترام الزوار، ويشرف عليها مقدمون يتولون رعاية صناديق الزيارات التي يقدمها كل زائر بلغ الخيمة، إلا أن أحد المسنين الذي التقته التجديد في عين المكان انتقد مجموعة من الممارسات والعادات المحدثة، والتي قال إنها تسيء للموسم ولهؤلاء الشرفاء الذين عرفوا لدى الناس بتقوى الله وعبادته، وكانوا يذكرون الناس ويعلمونهم ما استشكل لهم في دينهم، أما ما نشاهده اليوم من اختلاط النساء بالرجال لبلوغ الخيمة، ومنهن من أغمي عليهن فهذا محدث يكره الناس المواسم من هذا القبيل...وما زال محدثنا يستنكر ما آل إليه وضع ركراكة حتى أسقطت الخيمة وعمت الفوضى فأصبح هَمٌ المقدمين هو حراسة صناديق الزيارات لما تحويه من مال، وقد حاول رجال الدرك السيطرة على الوضع، إلا أن قوة تدافع الناس كانت أشد منهم، وبعد ساعتين من مناشدة الزوار احترام الخيمة تم تنصيبها من جديد، ثم عادت الفوضى هذه المرة بشكل قوي، إذ تم تخطي الحواجز، كما تضايق الناس ببعض الأشخاص الذين يتقمصون أدوار الشرفاء، فيبتزون العباد بكل ما أوتوا من حيلة، فمنهم من ينفث الماء من فمه في وجه المارة تعبيرا على نفثه للبركة، ومنهم من يضرب على أكتاف من صادفه برزمة من أعواد الزيتون يختلف عددها من متقمص إلى آخر، وقد انتشر هؤلاء من كل جهة، وضايقوا النساء والفتيات ومنهم من يعزف لهن على وطر الزواج، وبشر بعضهن بأن الغرض سيقضى وأنها ستتزوج عما قريب.. فيما يتجول البعض من هؤلاء بأرجاء الموسم مقتنصين الوافدين على المنطقة مستعملا عكازا معقوفا يجر به أعناق من صادفهم من الرجال والنساء فيضربهم على الأكتاف بعرش شجرة، ويبشرهم بقضاء أغراضهم التي من أجلها شدوا الرحال إلى الموسم، ومن الناس من يتفادى الالتقاء بهذا الصنف خوفا على أرزاقهم، وفي حديث مع أحد أبناء المنطقة، قال إن هؤلاء ليسوا من أهل البلدة، وإنما يترقبون انعقاد الموسم ليبتزوا الزوار، متقمصين شخصيات الشرفاء الذين يحظون بالاحترام لدى ضيوف الموسم... شعوذة تدفق العديد من مداعبي الأفاعي إلى هذا الموسم، وقد تشابهت مفرداتهم كأنهم تلقوا تكوينا عن ذلك، وأغرب ما صادفناه هو تجمع بالحلقة يقارب 200 متفرج حول رجل متوسط العمر نزع ثيابه العلوي وألقى بشعره الطويل يلوح به يمنة ويسرة، يٌهمهم من حين إلى آخر بكلمات غير مفهومة، مستعملا مكبر صوت ومداعبا أفاعيه بعد شربه للماء الساخن. ولاستمالة للجمهور أقسم للحضور أن الأطباء كلهم كذابة لا غير ... معلنا أنه شريف يداوي جميع الأمراض، ومن شك فيما يقول ليس بمؤمن قط، ويهمس في أذني كل من سلم له مبلغا ليلقنه وصفة الدواء لما يشكو منه، وقد يرفض المبلغ المقدم له رغبة في مضاعفته، إذا لاحظ أن ضيفه مهيأ لذلك، ثم يسأل الضيف أمام الجميع عما إذا كان الشريف (يقصد نفسه) يستحق لديه مثل هذا المبلغ؟ فما على الضيف إلا الإجابة بالنفي، فيعاوده السؤال مرة أخرى، عما إذا كان الشريف يستحق لديه ثمن هدية مشرفة؟ فيجيب الضحية في حرج شديد بالإيجاب، ثم يباغته مشهدا عليه الواقفين والواقفات بأنه من الذين قضيت لهم أغراضهم، فيمد يده لينتزع منه المبلغ المتفق عليه بعد مدحه والتنويه به لكونه ذي نية حسنة لينتقل إلى ضحية أخرى ممن هم في الصف الأمامي. وقد استغرب أحد الواقفين من طلاقة لسان هؤلاء، والحرية التي يتحركون بها وعدم خضوعهم للمراقبة لثنيهم على نشر أفكار خطيرة في أوساط الأميين كتشكيكهم في الطب، ودعوتهم الناس إلى العدول عن زيارة الأطباء والتوجه إلى العرافين والمشعوذين ... خمر وموبقات... كانت المواسم في الماضي ذات طابع ديني، بل كانت مناسبة في بعض المناطق تقام فيها المسابقات القرآنية ويكرم فيه الزوار حفظة كتاب الله تعالى، تشجيعا لهم وتعظيما لكلام الله، غير أن ما وقفنا عليه في هذا الموسم في بعض جنباته وتحت ظلال الزيوت يشير إلى أن بعض هذه المواسم تحولت إلى ملجأ لمعاقرة الخمر في واضحة النهار، حيث استغرب العديد من الزوار انتشار المنحرفين على شكل مجموعات، ومعهم عاهرات الذين يستقروا تحت ظلال أشجار الزيتون بجانب مجموعات أسرية، ويتلفظون بكلام كله فحش تحت تأثير الخمر والموسيقى الصاخبة، ومن الناس من غادر المكان تجنبا لما قد يحدث من مشادات بينهم وبين هؤلاء... نقطة ضوء أجمل ما تتبعه العديد من الزوار في هذا الملتقى هي تلك اللوحات الفنية التي يهديها الفرسان للجمهور وهم يمتطون صهوات خيول مغربية أصيلة، والتي ما زالت المنطقة تحتفظ بها كتراث محلي أصيل. إذا كانت الفروسية عنوان الشجاعة والشهامة لدى الأجداد، فليس من السهل بمكان امتطاء الخيل فهو يحتاج إلى لياقة وقامة ومراس، كما لهذه الرياضة قواعد وضوابط إيقاعية لا يمكن أن يتطفل عليها كل من هب ودب. وتجد من بين المتابعين مسنين يدعو للفرسان بالخير والتوفيق، ومنهم من ينصح كل فارس مر أمامه باليقظة وذكر الله، وقد عبر أحد المتفرجين بالقول إن أجمل ما في المواسم هي هذه الفروسية، التي بدأت تنقرض في العديد من المناطق بعدما كانت دائمة الحضور بعد عقود مضت بالمواسم والأعراس المقامة في البادية.