كثر الجدل داخل الأوساط التعليمية عن الجدوى من عقد لقاءات تفسيرية للتقرير الذي أنجزه المجلس الأعلى للتعليم حول المنظومة التعليمية بالمغرب، ففيما رفضت بعض المؤسسات مناقشة التقرير احتجاجا على الرؤية التبسيطية التي يروجها المسؤولون الحكوميون لإصلاح التعليم، والتي تحمل الأستاذ وهيئات التدريس المسؤولية فيما آلت إليه أوضاع التعليم، اتجهت مؤسسات تعليمية أخرى إلى مناقشة الخلفية السياسية من عقد هذه اللقاءات في هذا التوقيت الذي يعرف حراكا نقابيا على الساحة التعليمية، بينما اختارت مؤسسات أخرى أن تفصل بين الخلفية السياسية لعقد هذه اللقاءات وبين المضمون التربوي الذي يمكن أن يجنى منها . وبغض النظر عن الخلفيات المؤطرة للمبادرة، وما إذا كان الجهات المعنية تريد أن تضفي مشروعية قاعدية على التقرير، أو تريد أن تعطي الغطاء لتبرير جملة من التدابير التي تعزم الوزارة تطبيقها تنزيلا لقراءتها الخاصة للتقرير، وبعيدا عن الرؤية العدمية التي تنظر دائما بعين التشكك لأي مبادرة كيفما كانت خاصة إذا كانت صادرة عن الوزارة، ينبغي الإقرار أن تنزيل التقرير على كل دوائر صناعة العملية التعليمية بدءا من الإطار المركزي ومرورا بالأكاديميات والنيابات ووصولا إلى المؤسسات التعليمية يعتبر خطوة إيجابية، ذلك أنها تمكن من جهة أوسع شريحة من الأطر التعليمية من الانخراط في سؤال إصلاح المنظومة التعليمية، وتدفع من جهة أخرى كل المنشغلين بالعملية التعليمية لإبداء الرأي والاقتراح في المعضلات التي تقوض أسس المنظومة التعليمية. وعلى الرغم من التشويش الذي مس مضامين التقرير ورؤيته لمحددات الأزمة التعليمية في المغرب، بسبب الاختزال والتوظيف السياسي الذي مارسته بعض الجهات الحكومية استنادا على معطيات وردت في التقرير إلا أن النقاشات التفسيرية ساهمت بقدر كبير في إعطاء صورة واضحة عن مكونات عملية الإصلاح، والتي لا تختصر فقط في مسؤولية هيئة التدريس عن التعثرات التي تعرفها المدرسة في أدائها ومردوديتها كما هو تعاطي الجهات الحكومية، وإنما تعرض لكل محددات الإصلاح التي أشار إليها التقرير سواء تعلق الأمر بالحكامة أو الموارد البشرية أو النماذج البيدغوجية أو الموارد المالية أوالرافعات الناجعة للتعبئة للرفع من جودة التعليم والنهوض بالمدرسة المغربية. وإذا كان فتح النقاش حول تقرير المجلس الأعلى للتعليم خطوة تحتاج إلى التثمين خاصة وأن الأستاذ باعتباره محورا رئيسا للعملية التعليمية ظل غائبا في كل المبادرات الإصلاحية التي سبقت، إلا أن توقيت هذه اللقاءات التفسيرية، والذي صادف لحظة حراك نقابي على خلفية فشل جولات الحوار الاجتماعي، كان غير مناسب، إذ تحول النقاش في العديد من المؤسسات إلى نقاش سياسي ونقابي مرتهن إلى لحظة الحراك، وهو ما أضعف هذه اللقاءات، خاصة وقد صدرت تصريحات مرافقة من مسؤولين حكوميين نظر إليها من داخل الأوساط التعليمية على أساس أنها استهداف مباشر للأسرة التعليمية. وهكذا نلاحظ أن خطوة كبيرة في حجم تنزيل تقرير إلى المؤسسات التعليمية يشخص المنظومة التربوية في المغرب، ويحدد أسس الإصلاح للعملية التعليمية بدل أن يسهر المعنيون بالقطاع على تحصينها وتوفير الشروط الضرورية لإنجاحها لضمان أكبر انخراط لهيئات التدريس فيها، يختار لها توقيت متوتر، وتصاحب بتصريحات مشوشة من قبل مسؤولين حكوميين، ولا تعطى العناية اللازمة من حيث توضيح الأطر التي ستنصهر فيها اقتراحات هيئات التدريس ومآلات آرائهم، ولا تواكبها التغطية الإعلامية المناسبة من قبل القنوات التلفزية الرسمية.