الحركة الإسلامية هي حركة مجتمعية، وهذا يعني أن دراستها دراسة علمية يخضع لمحصلة العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تهتم بالجماعات والحركات الإجتماعية.وهذه العمومية في الدراسة لا يمكن أن نفهمها على الإطلاق، فإن هناك خصوصية تتميز بها الحركة الإسلامية -كحركة مجتمعية- يجب الإنتباه إليها عند دراسة مختلف الظواهر الإنسانية والإجتماعية المرتبطة بها. فدراسة واقع المثقف -مثلا- داخل الحركة الإسلامية تبقى كباقي الدراسات التي تهتم بالمثقفين داخل الحركات الإجتماعية الأخرى،و الخلاصات التي نخرج بها من خلال دراسات علم الإجتماع والسياسة حول المثقف يمكن توظيفها لقراءة واقع المثقف داخل الحركة الإسلامية.إلا أن هذا لايعني عدم وجود خصوصيات تميز المثقفين داخل الحركة الإسلامية عن باقي الحركات الإجتماعية الأخرى. واستخدام مفهوم المثقف العضوي لقراءة واقع المثقف داخل الحركة الإسلامية له قوته الدلالية بحيث يمكن من خلال توظيف هذا المفهوم استيعاب مجموعة من الفئات والأصناف المجتمعية ، بل ويمكن الإنطلاق منه للتوصل إلى تعريف جديد للمثقف داخل الحركة الإسلامية.غير أن هذا المفهوم يبقى قاصرا على استيعاب مجموعة من القضايا والإشكالات المرتبطة بخصوصية الحركة الإسلامية والتي سنحاول التفاعل معها في هذا المقال إن شاء الله تعالى. 1 - تحديد معالم المثقف داخل الحركة الإسلامية:إشكالات موضوعية ومنهجية. تواجه عملية تحديد مفهوم المثقف داخل الحركة الإسلامية مجموعة من الإشكالات الموضوعية والمنهجية التي لابد من تسليط الضوء عليها، حيث تزداد حدة هذه الإشكالات عندما نسعى لتوظيف مفهوم معين للمثقف وافد من التشكيل الحضاري الغربي،المثقف العضوي مثلا. أ-الإشكالات الموضوعية. يصادف الحديث عن المثقف داخل الحركة الإسلامية مجموعة من الإشكاليات الموضوعية والتي يمكن تكثيفها في ثلاث نقاط أساسية: -طبيعة الفئات الإجتماعية: لايمكن الحديث عن المثقف داخل الحركة الإسلامية بدون أن نقوم بدراسة لنوعية الفئات الإجتماعية المكونة لها والفئات الإجتماعية المهيمنة عليها.ونعتقد أن كل الدراسات المرتبطة بالتركيبة الإجتماعية والإقتصادية للحركة الإسلامية تعد مدخلا أساسيا لدراسة مفهوم المثقف داخل الحركة الإسلامية. -طبيعة المعرفة السائدة: وسواء تعلق الأمر بالمعرفة الدينية بكل أصولها وفروعها أوتعلق الأمر بالمعرفة المرتبطة بالعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية، فإن هذه المعرفة تشكل من أهم المحددات لبروزأنماط ودرجات مختلفة من التفكير،وهذا يعني ظهور فئات مختلفة من المثقفين تتعامل بشكل مختلف مع هذه المعرفة إما بالتبني أوبالنقد أو بالتجاوز أحيانا. -طبيعة المؤسسات القائمة: تشكل المؤسسات القائمة داخل الحركة الإسلامية في علاقتها بالأنساق المعرفية والإجتماعية مرتكزا أساسيا لا يجب إغفاله عند الحديث عن المثقفين وأصنافهم،بل إن دراسة واقع المثقف لايمكن أن يتم إلا من خلال دراسة العلاقات بين المثقف وبين هذه المؤسسات. ب-الإشكالات المنهجية. يمكن الحديث عن الإشكالات المنهجية التي تثيرها دراسة واقع المثقف داخل الحركة الإسلامية من خلال إثارة الإشكاليات المرتبطة بمصطلح المثقف والإشكاليات المنهجية المتعلقة بعملية التصنيف. -إشكالية التصنيف: التصنيف هي عملية منهجية تساعد على فهم الظاهرة الإجتماعية بشكل سليم وأمثل،إلا أن التصنيف الذي ينبني على قناعات ومواقف مسبقة قد يسقطنا في نزعة إقصائية لبعض الجهات التي قد نتعامل بها بشكل غير موضوعي في عملية الفرز والتصنيف. -إشكالية المصطلح:تحديد المصطلحات نقطة مهمة في دراسة الظواهر الإجتماعيةحإلا أنه في بعض الظواهر المركبة يصعب الوصول إلى مصطلح دقيق يستوعب مختلف التنوعات ودقائق الأمور،هذا من جهة. ومن جهة أخرى فمصطلح المثقف كمثيله من المصطلحات وافد من التشكيل الثقافي والحضاري الغربي،ولهذا قد نواجه مجموعة من الصعوبات عند الحديث عن المثقف داخل التشكيل الحضاري الإسلامي . ومن خلال هذين النقطتين المرتبطتين بإشكالية المصطلح سنعمل في هذا المقال على إيجاد تعريف واسع يستوعب مجموعة من التنويعات والإختلافات المرتبطة بالمثقف داخل الحركة الإسلامية معتمدين في ذلك على مفهوم المثقف العضوي الذي صاغه المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي والذي ناقشناه في الجزء الأول من هذا المقال سابقا. 2 - نحو إعادة تعريف المثقف داخل الحركة الإسلامية. يمكن تعريف المثقف داخل الحركة الإسلامية بأنه ذلك الفاعل الإجتماعي الذي يشتغل على المعرفة الدينية في مختلف جوانبها علما وفهما وتنزيلا لتحقيق حركيات اجتماعية مرتبطة بالمشروع المجتمعي. هذا التعريف الإجرائي والواسع للمثقف داخل الحركة الإسلامية يقودنا لاستخلاص مجموعة ثلاث خلاصات أساسية: أ-المثقفون داخل الحركة الإسلامية جماعة متكاملة عضويا تستوعب داخلها مجموعة من الأصناف والفئات التي يوحدها المشروع المجتمعي الواحد.ولذا يمكن القول أن المشروع المجتمعي من وظائفه الأساسية استيعاب مختلفات درجات التفكير المتفاعلة مع المعرفة الدينية. ب-الإشتغال على المعرفة الدينية في كل جوانبها علما وفهما وتنزيلا يتطلب استدعاء مجموعات كبيرة من المتخصصين والعلماء والخبراء في مختلف العلوم الدينية والعلوم الإجتماعية والإنسانية.وهكذا سنلاحظ أن المعرفة الدينية ستكون لها القدرة الإستيعابية لمجموعات من أنواع المثقفين. ج-يستمد المشروع المجتمعي قوته من قدرة المعرفة الدينية على توجيهه وتأطيره وإمداده بالقوة اللازمة في كل مرحلة من مراحل تنزيله،وهذا يتطلب من المعرفة الدينية أن تمتلك القدرة الدافعة إلى تحقيق الحركيات الإجتماعية والتفاعل معها. وخلاصة القول فإن هذا التعريف الواسع للمثقف يمكننا من الحديث على أصناف متعددة للمثقف قد تبدو متناقضة في بادئ الأمر ولكنها تتعايش جنبا على جنب.وعلى ضوء هذا التعريف يمكن الإنطلاق والحديث عن العالم المثقف، والفقيه المثقف ،والواعظ المثقف، والداعية المثقف، والأستاذ المثقف، والصحافي المثقف، والسياسي المثقف، والفنان المثقف، والمفكر المثقف داخل مشروع مجتمعي واحد. 3 - فقيه وسياسي وفنان...وصناعة القيم. يبدو لأول وهلة أنه من غير اللائق أن نضع الفقيه والسياسي والفنان في خانة واحدة اسمها المثقف.و لكن يمكن أن يكون هذا الوضع صائبا إذا فهمناه على المنوال التالي: تحول المعرفة الدينية إلى حركية اجتماعية تهتم بقضايا الإنسان والمجتمع يستدعي أن تكون لهذه المعرفة القدرة على إنتاج القيم الفاعلة التي تدعم مشاريع التغيير والإصلاح. و تحويل المعرفة الدينية من النصوص إلى حركية مجتمعية يستدعي مراحل وسيطة كثيرة يصعب على الفقيه أوالعالم أن يقوم بها لوحده وإلا صارت هذه المعرفة بعيدة عن الواقع وتكرس التخلف والجمود. ودور العلماء والفقهاء والوعاظ والدعاة هو البحث عن التكامل العضوي مع النخب الثقافية الأخرى من أجل إنتاج القيم الفاعلة والمؤثرة في خلق حركية اجتماعية غايتها تحقيق الأفكار الكلية المرتبطة بالمشروع المجتمعي. خاتمة: هذه المقالة كانت لها وظيفتان: 1- محاولة تطبيق مفهوم المثقف العضوي من داخل الحركة الإسلامية،وحاولنا ما أمكن إيجاد نقط التلاقي والتوافق بين المثقف العضوي والوظيفي داخل الحركة الإسلامية . 2- تجميع الخلاصات المهمة والأساسية حول المثقف لنتمكن بعد ذلك من توظيفها عند الحديث عن المثقف داخل حركة التوحيد والإصلاح، وهذا هو موضوع المداخلة القادمة والأخيرة إن شاء الله تعالى.