الجزائر تدمن استغلال المنابر الدولية لتصريف الحقد على المكاسب المغربية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحتج في مسيرات جهوية ضد قانون الاضراب    تراجع الدرهم أمام الدولار والأورو.. وأسواق البورصة تسجل انخفاضاً طفيفاً    عواصف تتسبب في تأجيل أكثر من 100 رحلة جوية في ألمانيا    القضاء الفرنسي يوجه تهمة "التحريض على الإرهاب" للمدون الجزائري عماد تانتان    الزمامرة تنتصر بثلاثية في الجديدة    حكيمي يتوج بلقب "السوبر الفرنسي"    نهضة بركان تعود بالفوز من مالي    زخات رعدية مهمة وثلوج مرتقبة بالمغرب    خواطر بوشعيب عمران: "منادات جريح"    إسرائيل: حزب الله "غير ملتزم" بالهدنة    بيع سمكة تونة ضخمة ذات زعانف زرقاء مقابل 1.3 مليون دولار    تلقت ما مجموعه 7 آلاف و226 ملفا : مؤسسة وسيط المملكة ترى الإجراءات الإدارية المرتبطة بالتسجيل والحصول على الدعم الاجتماعي معقدة ومضيعة للوقت    أزمة إنتاج أمهات الكتاكيت بالمغرب .. شركة أمريكية مرشحة لبناء ضيعات    البطولة.. نهضة الزمامرة يرتقي إلى الوصافة عقب انتصاره على الدفاع الجديدي بثلاثية    هدف أبوخلال يقود تولوز للفوز الثاني على التوالي في الدوري الفرنسي    فرنسا تعبر عن "شكوك" بشأن التزام الجزائر إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين    تفاصيل حكم فرنسي يقضي برفع ساعات العربية بمدارس البعثة بالمغرب    درك سيدي إفني يفكك عصابة للهجرة    إسرائيل تواكب "مفاوضات الهدنة" في الدوحة بالغارات على قطاع غزة    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    تيزنيت:"تيفلوين" تفتح أبوابها الأربعون لاكتشاف الموروث الثقافي والفلاحي والاجتماعي والتقليدي للساكنة المحلية    الحسيمة.. سيارة تدهس تلميذة صغيرة وتنهي حياتها    ترشيحات "غولدن غلوب".. فيلم "إميليا بيريز" في صدارة المنافسة    وزير الخارجية السوري يدعو من قطر إلى رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية إلى 45 ألفا و805    فرنسا تشكك في التزام الجزائر بإحياء العلاقات الثنائية    و"هبيولوجيا" الخطاب.. أو حين يصبح العبث منهجا سياسيا    مسرحية "هم" تمثل المغرب في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي    هكذا كنت (أحتفل) بنهاية السنة في السجن    حقوقيون يسجلون استمرار قمع حرية التعبير وينبهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    انطلاق أشغال مؤتمر الألكسو ال14 لوزراء التربية والتعليم العرب بمشاركة المغرب    رسمياً.. بلدان إفريقيان يشرعان في إنتاج الغاز الطبيعي    الإعلان في المغرب عن تأسيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان    وقفة احتجاجية تضامنا مع سعيد آيت مهدي أبرز المدافعين عن ضحايا زلزال الحوز    "ميتا" تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتطوير تجربة التواصل الاجتماعي    انخفاض المبيعات السنوية لهيونداي موتور بنسبة 1,8 بالمائة    تاوسون تتوج بدورة أوكلاند للتنس بعد انسحاب اليابانية أوساكا    خبراء مغاربة يؤكدون عدم وجود تهديد استثنائي من "فيروس HMPV"    "أدناس" يستحضر تيمة "الشعوذة"    فيروس رئوي جديد يثير قلقا عالميا    المغرب يفرض "رسما مضادا للإغراق" ضد الأفران الكهربائية التركية    مطالب للحكومة بتوعية المغاربة بمخاطر "بوحمرون" وتعزيز الوقاية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    آخر الأخبار المثيرة عن حكيم زياش … !    المرأة بين مدونة الأسرة ومنظومة التقاعد    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تُعلن تشغيل المسار البرتقالي من قطار الرياض    المشاركون في النسخة ال16 من لحاق أفريقيا ايكو رايس يحطون الرحال بالداخلة    حادث سير بشارع الإمام نافع في طنجة يعيد مطالب الساكنة بوضع حد للسرعة المفرطة    أمن مراكش يحجز 30 ألف قرص طبي    سليم كرافاطا وريم فكري يبدعان في "دا حرام" (فيديو)    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول مفهوم الثورة الثقافية- بقلم محمد يتيم
نشر في التجديد يوم 17 - 04 - 2008


في الحلقة السابقة التي كانت تحت عنوان إصلاح نظام الثقافة بين التربية والسياسة أكدنا أنه إذا كان هناك شيء يتأبى على مفهوم الثورة ويستعصى عليها فهو مفهوم الثقافة ، فمع حقيقة الاستقلالية النسبية للثقافة عن التحولات الاقتصادية والسياسية والتحولات الفوقية وطابعها المعقد أكدنا أنه من المشروع أن نتساءل :هل وجدت هناك ثورة في التاريخ ؟ وهل يستحق مفهوم الثورة أن يكون من بين مصطلحات اللغة ؟ . ونقصد بذلك أن الثورة بمفهومها السياسي المعروف أي تحقيق قطيعة نهائية مع وضع سياسي سابق ومع شبكة المصالح السابقة يكاد يكون شبه مستحيل تماما ، وأن التاريخ السياسي لا يعترف بمفهوم القطيعة النهائية ، بل يعترف فقط بمبدأ التراكم المحكوم بمبدأ التقدم تارة ومبدأ التقهقر والتراجع أحيانا أخرى . ومعنى دلك أنه ليست هناك سوى ثورة نسبية ، وأن كل ثورة تتبعها ثورة مضادة. ولئن كانت الثورة المضادة تفسر في بعض جوانبها بانتفاضة أصحاب المصالح والامتيازات القديمة من أجل إرجاع الأوضاع إلى ما كانت عليه ، فإن من أهم ما يفسر الثورة المضادة هو المقاومة الثقافية للتغيير ، ولذلك أكدنا أنه إذا جاز أن نتحدث عن ثائر فهو الثقافة : الثائر الحقيقي على كل الانقلابات الفوقية والتغييرات السلطوية . وهذا يعني أن أي إصلاح سياسي لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يتأسس ويصاحب بإصلاح ثقافي عميق ومتواصل . قد يحدث أن يقع تغيير سياسي في طبيعة الدولة وفي القيم السياسية التي تقوم عليها فوقيا، فتسعى مثلا إلى إقرار نظم وقوانين جديدة وأساليب جديدة قائمة على العدل والشورى والديمقراطية والتعاقد والتدوال ، وتسعى إلى العمل على إقامة مشروع مجتمعي قائم على إطلاق المبادرة وتحرير المرأة .. .. وغير ذلك من مقومات المشروع المجتمعي التحريري للإنسان ، لكنها قد تصطدم بنوعين من المقاومة ، الأول : مقاومة أصحاب النفوذ والمصالح الذين جاء المشروع السياسي الجديد لتجريدهم من امتيازاتهم ومصالحهم ، وهو ما يطلق عليه في الأدبيات السياسية بمراكز مقاومة التغيير. الثاني : المقاومة الثقافية التي يكون منطلقها المجتمع ذاته والناشئة عن سبب رئيسي وهو كون القيم الثقافية لا تساير في الغالب وبنفس السرعة والوتيرة التغيرات والتحولات السياسية الفوقية ، أو التحولات الفكرية التي تطرأ على مستوى القيادات الفكرية والزعامات السياسية . وهذا هو التي يفسر المفارقات التي وجدناها في عدة تجارب تاريخية بين التغيرات التي يعرفها نظام المعرفة وبين نظام الثقافة من جهة ، والانتكاسات التي تعرفها كثير من المجتمعات بين عصر الرسالة الإصلاحية وجيلها الأول والعصور التي تليها . وللانتقال من التجريد النظري إلى تشخيص هذا التصور من خلال أمثلة ووقائع تاريخية نشير إلى الأمثلة التالية : 1ـ القرآن الكريم انتقد في أكثر من موقع قضية المقاومة الثقافية للتغيير من خلال التشنيع على المشركين تمسكهم بما كان عليه الآباء والأجداد ، وكيف يعطل التحجر المذكور حركة العقل كما يتضح من خلال الآيات القرانية التي تنتقد التقليد والتبعية ومنها مثلا : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} البقرة {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَإ اِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ق. 2ـ السنة النبوية حذرت من ثورة القيم الثقافية السابقة التي جاء الإسلام من أجل تغييرها ودعا إلى اليقظة والحذر المتواصل من انتفاضة الثقافات والقيم السابقة على الإسلام والأمثلة في ذلك كثيرة نذكر منها فقط ما يلي : ـ ففي الحديث عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم -والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ لتركبن سنن من قبلكم رواه الترمذي وصححه . ـ ولما اختصم مهاجري مع أنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا) في إشارة إلى حقيقة إمكانية انتفاضة القيم الثقافية السابقة على المنظومة الثقافية الجديدة . 3 ـ التجربة التاريخية الأولى تبين كيف آلت الكلمة الأخيرة لانتفاضة نظام الثقافة السابق على القيم التقدمية التي جاء بها الإسلام ونكتفي هنا بقضيتين : قضية المرأة حيث جاء الإسلام بقيم تقدمية كانت على مسافة كبيرة بما كان عليه الوضع الثقافي والاجتماعي كما وصف ذلك عمر رضي الله عنه حين قال: (كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا ، فلما جاء الإسلام، وذكرهن الله ، رأينا لهن بذلك علينا حقاً). وهكذا ففي الوقت الذي جاء القرآن يسجل مثلا من فوق سبع سماوات مجادلة امرأة لرسول الله ، ودعوته النساء للمشاركة وأن يقلن قولا معروفا، انتهى الأمر ببعض الفقهاء إلى جعل صوت المرأة عورة وأنه من الخير لها أن لا ترى الرجال وأن لا يراها الرجال ، في حين أن أمرها بالحجاب هو في الحقيقة أمر لها بالمشاركة الفاعلة وإلا فما الغاية من الحجاب إن لم يكن إذنا بالخروج والتفاعل ؟ 4 ـ وفي المجال السياسي كان التحول من الرشد في تدبير السياسية القائم على الشورى والزهد في الدنيا نتيجة انتفاضة ثقافية وليس نتيجة انقلاب سياسي فالتحول وقع في القاعدة قبل أن يقع في القمة ، وثقافة الشوكة في الغلبة انطلقت من القاعدة قبل أن تصل القمة ، وذلك يعني أن المجتمع لم يستطع أن يساير مسايرة النموذج الراشد وسرعان ما رجع إلى النموذج الكسروي والقيصري الذي استطاع الفقه الإسلامي أن يجد له تسويغا فقهيا من خلال تسويغ التغلب أساسا للمشروعية السياسية وباعتباره أهون من الفتنة وسفك الماء وضمان لاستقرار سياسي يمكن من مواصلة الرسالة الحضارية للإسلام رغم الثلمة التي حدثت في نظام الحكم ، في حين ذهب ابن خلدون إلى إيجاد تفسير اجتماعي تاريخي من خلال أن شرعية الحكم لا تقوم فقط على الاختيار الشوري الحر بل تقوم أساسا على الاعتبار الثقافي أي حادة كل سلطة إلى منعة اجتماعية ،وأن الذي كان بإمكانه توفير تلك المنعة هو العصبية القرشية وإلى هذا المعنى وجه حديث : الأئمة من قريش. ويستفاد من ذلك أنه على المعنيين بتدبير التحولات المؤسساتيه والقانونية والسياسية في مجتمع ما أن يعنوا كبير العناية بتدبير التحولات الثقافية ويعنون بمخاطر الانتفاضات الثقافية التي من شأنها إعاقة الإصلاحات مهما كانت تقدمية ، وهو موضوع يمكن الرجوع إليه في حلقة قادمة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.