ملف استكمال الوحدة الترابية المغربية يزخر بالعديد من الهفوات التي وقعت فيها الدبلماسية المغربية منذ افتعال الأزمة أواسط السبعينات من القرن العشرين، لكن هذه الهفوات لا ترقى إلى الإنزلاقات والمفارقات الغريبة التي سقط فيها أنصار الانفصال وإقامة الدولة الصحراوية من قبيل الدعوة إلى تقرير المصير بعد إعلان قيام الدولة. 1 قيام الدولةالصحراوية إن إقامة الدولة استدعى أولا إيجاد شعب، إذ إن كان من الممكن تصور الدولة بدون إقليم فلا يمكن تصورها بدون شعب؛ وقد عمل الوطنيون الصحراويون على جمع شتات الصحراويين بالقوة وبحماية الطيران الحربي لبومدين والزج بهم في مخيمات كلاجئين، رغما على التعاريف والأدبيات الاتفاقية الدولية التي تأطر هذا الجانب. إن الهدف كان واضحا؛ التوجه نحو المجتمع الدولي إنسانيا، إذ كيف يعقل ألا يكون هذا الشعب مضطهدا وكل الهيئات الحقوقية الدولية الرسمية وغير الرسمية يمكن أن تعاين الحالة المزرية التي يعيشها. لقد عملت الحماسة التي وفرها انتشار الأفكار الإشتراكية مع بداية المشروع الانفصالي لبعض الصحراويين على الذهاب بعيدا بإعلان قيام الجمهورية الصحراوية، ولابد هنا من الانتباه إلى الإحالة الجغرافية التي ألصقت بالدولة؛ فليس هناك ما يميز هذه الدولة ثقافيا ولا سياسيا ولا تاريخيا...إلا الجغرافيا. فلو كان أنصار الانفصال من الريف لسموها الجمهورية الريفية، ولو كانوا من جبال الأطلس لسميت الجمهورية الأطلسية! إن الدولة إقرار بوجود تميز له خلفية تاريخية أولا وركائز موضوعية باعتبارات تجعل البقاء في دائرة دولة أخرى يدخل في خانة الإستعمار كما أقره المجتمع الدولي. لقد تلى قيام الدولة سلسلة من الاعترافات كان أغلبها متأثرا بالعوامل السياسية والعقائدية الإديولوجية المتمثلة، وهذه مفارقة أخرى، في انتماء الدولة الحاضنة (الجزائر) آنذاك إلى المعسكر الإشتراكي. وفي حالات أخرى كان الإعتراف بالجمهورية الصحراوية داخلا في معادلة اقتصادية نفعية ومصالح سياسية. وفي حالة ثالثة دخل تحت تأثير الواقع المغلوط الذي صور المغرب كدولة محتلة تلفظ شعبا في فيافي صحراوية قاحلة. إن الدعوة موجهة لأنصار الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب في تقرير مصيرها للبقاء على توابثها والإعتراف باستقلال كوسوفو، حتى تبرهن عن أخلاقها السياسية المبنية على عدم التمييز لاعتبارات سياسية أو مصلحية، وهذه الدعوة موجهة لكوبا والجزائر وغيرها من الدول التي لم تنتظر كثيرا للإعتراف بجمهورية الصحراء. 2 البوليساريو وتقرير المصير بعدما سبق وقرر مصيره بإعلان قيام الجمهورية عاد البوليساريو لمطالبة المجتمع الدولي بتقرير مصيره بحرية، والنتيجة البديهية لهذا المطلب أن يعلن حل هذه الجمهورية أولا. من الواجب أولا توضيح الأصل القانوني لمبدأ تقرير المصير، الذي يمكن أن يعطى له ركيزتين أساسيين؛ الأولى ارتبطت بفترة كان فيها الإعتراف حكرا على الدول الأوربية أو من أصل أوربي كالولايات المتحدةالأمريكية، أو الدول العريقة كالمغرب وتركيا واليابان مثلا، مما أنتج واقعا دوليا قائما على التفريق بين هذه الدول وباقي المناطق التي اعتبرت خلاء أو بدون سيد (nullius Terra)، ولا شك أن ذلك كان الغرض منه شرعنة عملية الاحتلال الأوربي لباقي المناطق المعتبرة خلاء. لذلك فتقرير المصير بالصيغة التي يدافع عنها البوليساريو هي تكريس لهذا المبدأ ذو الأصول الاستعمارية، إذ أنه يعتبر أن أرض الصحراء ليس فقط لم تعرف أي سيادة تاريخية مغربية لكن أيضا أي وجود لأي شكل متحضر قبل دخول الإستعمار الإسباني. الركيزة الثانية التي يقوم عليها تقرير المصير هي أكثر حداثة ومنطقية وبساطة لأنها نابعة من الواقع الدولي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين؛ القضاء على كل أشكال الإستعمار الأوربي والإعتراف بوجود الدول التي كانت تعتبر أراضيها أو جزء منها خلاء والمغرب واحدة منها. أين موقع الدولة الصحراوية حتى منتصف السبعينات من كل هذه التحولات، لاشك أنها مجرد واقع انفصالي بأسس سياسية مستنبث من أصل الوحدة بل من أصل الإندماج الإقليمي الذي أصبح عقيدة العلاقات الدولية الحالية. مثير أن نرى حركة بهذا التخبط في الأهداف والمبادئ قائمة وموجودة على طاولة المفاوضات مع المغرب، ماذا تتوخى من ذلك، تقرير المصير؟ وكم من الوقت يلزمها لفهم الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي الموسع؟ أستاذ القانون العام، كلية الحقوق وجدة