أحيانا يفاجأ المرء حينما يسمع بعض الدعوات التي تريد باسم تجديد الحقل الديني أن تقطع مع مركزية الإسلام في دستور الدولة وفي نظامها التعليمي. فمن دعوات لتغيير شعبة الدراسات الإسلامية إلى شعبة لدراسة الأديان، إلى محاولة إحداث تناقض موهوم بين مادة التربية الإسلامية والتربية على السلوك المدني إلى الندوة الصحفية التي عقدتها جمعية بدائل الثلاثاء الماضي، والتي حسم فيها عبد العلي بنعمور الموقف من الإسلام، بحسب ما نقلته عنه جريدة الاتحاد الاشتراكي في عددها ليوم الجمعة الماضي، واعتبره مجرد >مرجعية تاريخية ذات حمولة أخلاقية تخص كل فرد على حدة<، بل إن الرئيس المؤسس لجمعية بدائل أضاف إلى أفكاره السابقة فكرة جديدة، إذ طالب في إطار ما يسميه بفصل المؤسسة السياسية عن المؤسسة الدينية، وفي إطار الوضوح في الحقل الديني يقترح >تغيير تسمية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بـوزارة الأديان، باعتبار أن من المغاربة مسلمين ويهودا ومسحيين، وبالتالي فهام الوزارة تشمل الشؤون الخاصة لكل المواطنين المغاربة كيفما كانت عقيدتهم<. لا يحتاج القارئ لذكاء كبير ليكشف التقاطع بين هذه الدعوات التي ينطلق بعضها من قاعدة تجديد الحقل الديني، وينطلق بعضها الآخر من قاعدة الانفتاح وعدم التمييز في البرامج التعليمية. اتفاق على جميع المسارات بين هذه الدعوات على إقصاء الدور الحيوي الذي يقوم به الدين باعتباره مرجعية حاكمة تقوم عليها شرعية النظام السياسي، وتؤطر الفضاء العام للمغاربة أخلاقا وسلوكا وأنماط حياة. إلا أن المثير في الأمر هو أن الحجْر لم يعد فقط موجها للإسلام بل يراد منه أيضا اليهودية والنصرانية، والتي لها مؤسساتها خاصة وتعيش في استقلالية كاملة بلغت بالنسبة لليهود وجود ما يسمى بالمحاكم العبرية. تصريحات تتزامن أيضا مع دعوات عزل الإسلام عن مجاله الحيوي عبر طرح مفهوم سمو المواثيق الدولية على مرجعيته الحاكمة، والتطبيع مع جملة من الممارسات الغريبة عن الشعب المغربي المسلم (الشذوذ الجنسي) باسم الانفتاح والتسامح. الفكرة الثاوية وراء هذا الطرح وغيره هي أن يرسم مفهوما خاصا للدين لم يجد أي قبول وتأييد داخل المجتمعات وليس فقط المغرب وحده. ذلك أن المفهوم السائد، والذي تؤكده استطلاعات الرأي وتوجهات التدين المتنامية عند الشعب المغربي هو أن الإسلام منهج حياة يؤطر مجمل حياته الخاصة والعامة، وأنه يدخل إلى صلب الشأن العام، ويؤطر مجمل مناشطه. أما فكرة الاستعاضة عنه بالأديان ترسخ المفهوم الذي عجزت الأقلية العلمانية أن ترسخه قاعديا في المجتمع، وهو أن يصير مجرد مرجعية تاريخية لا علاقة لها بالواقع، ولا تدخل لها في شأنه العام، وأنها لا تتعدى الدائرة الشخصية. لعل الغائب في هذا التحليل هو أن المؤسسات التي تقوم على مفهوم مركزية الإسلام، باعتباره دينا رسميا للبلاد وباعتباره شرعية للنظام السياسي، لا يمكن أن تتغير طبيعتها وأدوارها بمجرد قرار أو رغبة جهة من الجهات. إن الأمر يتطلب تغييرا للمفاهيم التي يتبناها الشعب، ويتطلب حركية ثقافية علمانية على كافة المستويات، وهو ما نجد عكسه تماما على الأرض، فالفكرة العلمانية على هذا المستوى في أضعف مستوياتها، وحضورها على مستوى الشارع المغربي أضعف، وهذا ما يجعل هذه الأفكار التي تواضعت على تبنيها أقلية علمانية في المغرب عاجزة عن الامتداد.