يعد المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات مؤسسات دستورية لها مهمة الرقابة على المال العام ( الفصول 96/97/98 دستور96)، وانطلاقا من الاختصاصات المحددة في مدونة المحاكم أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره لسنة ,2006 والذي تضمن تقارير المجالس الجهوية، والتي وقفت من خلالها على اختلالات كثيرة في تدبير الفضاء المحلي. ما يثير الانتباه في التقرير الأخير، هو أن الجماعات المحلية في معرض جوابها، تقر بالاختلالات والخروقات التي تنم عن وجود هدر هائل للمال العام، تتحول بموجبه الجماعات المحلية من مؤسسات تحقق القرب والفعالية في الفعل العمومي، إلى بقرة حلوب ووسيلة للإثراء بلا سبب، لتعطي في المحصلة تكريس لانعدام ثقة المواطن في المؤسسات ودق مسمار أخر في نعش موت السياسة. الأكيد أن الخلاصات الأساسية التي توصلت إليها المجالس الجهوية تعكس في العمق أزمة بنيوية على مستوى التدبير المحلي، والتي تتحمل فيها الأجهزة المنتخبة جزء من المسؤولية لكن دون إغفال مسؤولية سلطة الوصاية المتمثلة أساسا في وزارة الداخلية،فهل وزارة الداخلية التي تؤشر على ميزانيات الجماعات لا علم لها بما يحصل؟ أين هو دور المفتشية العامة للإدارة الترابية؟ ماهو دور العمال والولاة؟ هل يمكن الحديث عن استقلالية الإدارة الترابية (الباشا والقائد)، في الوقت الذي لا يمكن لسيارة الباشا أو القائد أن تتحرك بدون وقود تؤديه الجماعة المحلية، وهي تأدية غير قانونية بطبيعة الحال. يذكر التقرير أيضا، وجود اختلالات كبيرة على مستوى الوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمكناس والقنيطرة، وهما وكالاتان على غرار باقي الوكالات يرأس مجلسها الإداري الوالي أو العامل، هنا تطرح مسؤوليتهم في هذه الخروقات وهدر المال العام. فمن سيحاسب هؤلاء؟. التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات خطوة مهمة في مجال تسليط الضوء على طريقة تدبير المال العام، لكن عدم تفعيل توصيات التقارير يفرغ هذه المؤسسات الدستورية من محتواها ويجعل بذور فشل مهمتها كامنة فيها. إضافة إلى تكريس مبدأ اللاعقاب، لأنه لا يعقل أن تثبت جرائم نهب المال العام دون أن يتم تحريك مسطرة محاسبة في الموضوع. فهل الأمر يعني الخضوع لمنطق الزبونية والتستر القائم على الانتفاع المتبادل؟