سيدة تقول إنها أسقطت جنينها في فترة سابقة ثم تابت إلى الله تعالى وأقامت الصلاة ولا تكف عن البكاء لأجل ما سبق منها بل إنها اضطرت لمراجعة بعض الأطباء النفسانين، فماذا عليها أن تفعل؟ وما هي كفارتها؟ يقول الدكتور محمد عز الدين توفيق: بداية ننبه على أنه ينبغي للإنسان إذا ما وقعت له مشكلة أن يستفسر أولي العلم فيها، وألا يتأخر في السؤال عما عرض له من الأمور، لأن ذلك يجعله يفتي نفسه، وربما أفتاها بما يخالف الشرع، فيشق على نفسه، فيدخلها في متاهة كان له أن ينجو منها بالسؤال، وهذه النازلة التي بين أيدينا مثال على ذلك. فهذه السيدة عندما لم تسأل في الوقت المناسب عظم الأمر عندها وتحول إلى حالة من القلق المزمن والاكتئاب المستمر، مما اضطرها لزيارة عيادات الأطباء النفسانيين، ودخلت في دوامة، ولو سألت عرفت الجواب وتصرفت بناءا عليه فترتاح. ويقال لهذه المرأة إن إسقاط الجنين من حيث الأصل لا يجوز، لأنه مخالف لحكمة الحمل والزواج والاتصال الشرعي بين المرأة والرجل، والله تعالى أمر بالزواج الذي من مقاصده الإنجاب. ولهذا يعتبر إسقاط الجنين عكس مقصود الشرع، فلا يفعل المسلم هذا الأمر إلا بسبب معقول. لكن يختلف حكم إسقاط الجنين حسب عمره، فإذا كان في الأسابيع الأولى قبل أن يكمل أربعة أشهر، فإسقاطه ليس كإسقاطه بعد ذلك، فأما إذا تجاوزها فإن إسقاطه قتل لنفس بشرية لأنه نفخ فيه الروح. ويكون قد استكمل شطري إنسانيته، فهو إنسان بجسمه وبروحه، وأصبح مثله مثل الطفل المولود، لكن قبل أن تنفخ فيه الروح لا يسمى إنسانا ولا يسمى نفسا بشرية، وهو جنين مهيأ ومُعَدٌ لأن يكون نفسا بشرية. فحياته قبل نفخ الروح هي حياة نباتية حيوانية، يتغذى ويقع التكاثر في خلاياه، وهذا لا يعطيه صفة الإنسانية الكاملة، وإنما يستكملها بنفخ الروح. وعليه فإن إسقاطه بعد ذلك حكمه حكم القتل، وما يترتب عليه من الكفارة والدية إلا أن هذه الدية تكون مخففة. وهذه السائلة تسأل عن إسقاط الجنين فيما قبل ذلك، أي في الشهر الأول، والمرأة إذا أسقطت جنينها في الشهر الأول لغير عذر ليس عليها كفارة، أي ليس فيه صيام ولا صدقة وليست فيه دية، لكن فيه التوبة، وما يلزم السائلة هو أن تتوب إلى الله تعالى وتستغفره. فالعلماء يقولون إن الجنين شيء نافع، إذا بقي وقدر الله تبارك وتعالى أن يعيش حتى تنفخ فيه الروح، سيصير إنسانا، وفي الشرع لا يجوز للمسلم أن يتلف شيئا نافعا، والقرآن والسنة نهيانا عن الإفساد في الأرض، ومن الإفساد أن تتلف شيئا نافعا. وإذا كان هناك سبب معقول دعى هذه المرأة إلى إسقاط جنينها ففي هذه الحالة معها عذر يجيز لها الإسقاط. ونقول لهذه المرأة إن الله غفور رحيم، وهذا الخطأ وقع منها في فترة الغفلة، وهي تقول إنها بعد أن تابت إلى الله تعالى استأنفت الصلاة، واسترجعت ذلك الخطأ الذي وقع منها في فترة سابقة، وكان مصدر هذا القلق المستمر. ونقول لها إن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، فبعد أن عرفت الحكم الشرعي في إسقاط الجنين، عليها فيما يستقبل من عمرها أن تتقيد بهذا الحكم الشرعي. وهذه مناسبة بينا فيها حكم إسقاط الجنين إذا كان في أسابيعه الأولى، وإذا بلغ أربعة أشهر، وبصفة عامة فإن إسقاط الجنين في أي مرحلة من مراحل الحمل مخالف لمقصود الزواج، وإتلاف لشيء نافع، لكن إذا كان هناك سبب معقول أو حاجة معقولة لإسقاطه فيجوز. الدكتور محمد عز الدين توفيق