كما كان متوقعاً، بل مؤكداً، انسحب مروان البرغوثي من سباق الرئاسة الفلسطينية تاركاً المقعد جاهزاً للسيد محمود عباس الذي توافقت عليه قيادة فتح وليس كوادرها، أولاً في سياق توزيع الكعكة، وثانياً كنوع من الاستجابة لعوامل خارجية (دولية وعربية). بل إن محاولة البرغوثي وضع نفسه في سياق منافس لمجموعة الكبار في فتح قد باءت بالفشل هي الأخرى لاعتبارات كثيرة تتصل بطبيعة القسمة داخل الحركة، ومعها تردده في مسألة الترشيح، الأمر الذي سهل على مجموعة "أبو مازن" خوض المعركة ضده، في ذات الوقت الذي لم يكن بوسع الآخرين أن يكونوا أكثر حناناً عليه، سيما وهم يدركون أن الرياح الفاعلة لا زالت تسير في اتجاه سفينة محمود عباس الذي بات يتصرف كوريث كامل المواصفات للرئيس الراحل الذي استكثروا عليه صفة الشهادة عبر تجاوز قضية تسميمه بأيدي الإسرائيليين!! ربما خسر البرغوثي رهانه داخل حركة فتح، وتحديداً في أوساط مجموعة الكبار ومعهم من سيكبرون لاحقاً وفي أفواههم طعم السلطة وامتيازاتها، لكن الرجل لم يخسر معركة القواعد الفتحاوية، أقله من زاوية القلوب، حتى لو بقيت السيوف بيد الممسكين بالسلطة، كما لم يخسر معركة القواعد الشعبية التي لم يتراجع احترامها له بسبب ما جرى. أما سيناريو تخريج العودة عن الترشيح الذي بدا نوعاً من التراجع من قبله بعد رفض مجموعة الكبار في فتح التفاوض معه، فقد كان بدوره معقولاً إلى حد كبير، فالشروط التي حولها البرغوثي إلى وصايا أو مطالب ستشكل نوعاً من القيود الأخلاقية على محمود عباس بعد توليه رسمياً منصب الرئاسة، ومن ثم دخوله لعبة التفاوض مع الإسرائيليين. ولعل ما يزيد في حرج الطرف الآخر، هو أن مروان البرغوثي لم يترجم في وصاياه طروحات حركة حماس السياسية، بقدر ما استعاد برنامج حركة فتح فيما يتعلق بالمفاوضات، ومعه طروحات الحركة فيما يتعلق بإدارة المعركة مع الاحتلال كما تجلت خلال انتفاضة الأقصى. وللتذكير فإن مروان البرغوثي كان مفاوضاً أثناء مسيرة أوسلو، الأمر الذي يعني أن الرجل كان ولا زال يتحدث ضمن إطار ما يعرف بقرارات الشرعية الدولية التي وردت بوضوح في رسالته، وهي قرارات لا تتعارض مع حق المقاومة بل تقرها. لا حاجة لسرد وصايا أو مطالب مروان البرغوثي، فهي ذاتها التي تغنت بها فتح منذ عام 1974بعد أن تخلت عن النضال لتحرير الأراضي المحتلة عام 48 (78% من فلسطين) التي ضاعت بعد أن بدأت الحركة مسيرتها بسنوات، أي الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ومها حق العودة للاجئين. ولم يفت البرغوثي أن يضيف إلى ذلك كله بعض الملاحظات التفاوضية المهمة مثل رفض الاتفاقات المؤقتة، ومعها مطالب أخرى تتعلق بالأسرى والمطلوبين، فضلاً عن مطالب تتعلق بإصلاح منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. من هنا يمكن القول إن مروان البرغوثي لم يخسر معركته، ذلك أن خسارة المناضل إنما تتمثل في تراجعه عن القيم التي ناضل من أجلها، ولو قبل مروان البرغوثي مبدأ الإفراج عنه مقابل دعم مسار شطب المقاومة والتفاوض من دون أفق ولا شروط، كما يتوقع أن يجري خلال المرحلة المقبلة، لخسر خسراناً مبينا، فالجماهير هنا واعية ومسيّسة، وهي لا تمنح شيكاً مفتوحاً لأي أحد، بل تراقبه وتمنحه ثقتها مادام على الخط الصحيح، أما إذا باع واشترى فتبيعه من دون تردد. ما يمكن قوله إذن هو أن مروان البرغوثي قد شكل معادلة لها وزنها في حركة فتح، وما قاله الآخرون في حقه لم يصبه بكثير سوء، ووحده التراجع عما أعلنه مراراً هو الذي سيدفعه إلى الخلف كما دفع كثيرين سواه في تاريخ القضية الفلسطينية، ومثلها في قضايا التحرر والتغيير في عالنا العربي والإسلامي، بل ربما في العالم أجمع. ياسر الزعاترة