قال الداعية الإسلامي المشهور عمرو خالد إنه يقود أول بحث ميداني يطال الوطن العربي يرصد المشاكل التي تعاني منها الأسرة العربية ويضع لها الحلول في "دليل الأسرة المسلة" سيصدر في يونيو 2005، مؤكدا أن هذا الدليل سيتوزع على كل بلد من العالم العربي من المغرب إلى الخليج. وأضاف أن هذا المشروع لا يزال ينجز خارج الإطار الحكومي من خلال تعاون بين كثير من الجمعيات العربية والغربية لتجميع البحوث في هذا المجال حتى لا تبقى الجهود فردية، مشددا على أن المرجعية والحضارة والقيم الإسلامية ستكون المنطلق في هذا الدليل.
وأكد صاحب برنامج "صناع الحياة" أم ما هو موجود من دراسات حول الأسرة المسلمة في تراثنا ما هو إلا بحوث فردية تقليدية لا يوجد فيها أي تجديد، وأن طرحها لا يتماشى مع حاضرنا وما فيه من مشاكل مستجدة.
ودعا الأممالمتحدة إلى تحقيق طموحات المؤتمر العالمي للأسرة الأخير من خلال إعداد خطط تراعي إعلان الدوحة وخصوصية المنطقة العربية والإسلامية، مؤكدا أن أي محاولة لطمس الثقافة الإسلامية لن تنجح، كما أنها ستؤدي إلى مزيد من العداء بين شعوب العالم. ونبه إلى أن الوفود العربية والمسلمة كانت على مستوى كبير من الذكاء في مؤتمر الدوحة حيث استطاعت توسعة قاعدة الإجماع حول الأسرة التقليدية.
وقال في حديثه للتجديد بالعاصمة القطرية لدى مشاركته في مؤتمر الدوحة يومي 29 و30 من الشهر الماضي، إن برنامج "صناع الحياة" سيستمر في الفترة المقبلة في دعوة الشباب إلى إقامة مشاريع نهضوية وتنموية لخدمة بلادهم وأمتهم، لكنه بين أن هذا المطلب ليس بالأمر السهل بل لابد من مساعدات شديدة من طرف الكل. وتاليا نص الحديث:
* تعقد منذ سنوات عدة مؤتمرات حول المرأة والطفل والأسرة لكنها بقيت كلها عبارة عن دعوات في إطار تحديات داخلية وأخرى خارجية تتعرض لها الأسرة عموما، إلى أي حد تساهم هذه المؤتمرات في حد من هذه التحديات؟
مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة جمع صراحة دولا شتى وثقافات وجنسيات متنوعة وديانات مختلفة. والجميل في هذا المؤتمر هو أن كل ثقافة حضرت المؤتمر جاءت لتحترم ثقافة الآخر. ونحن كمنطقة عربية لنا ثقافتنا الممتدة في التاريخ قرونا عميقة، وأي محاولة لطمس هذه الثقافة لن تنجح، كما أنها ستؤدي إلى مزيد من العداء بين الشعوب، ولذلك أعتقد أن مؤتمر الدوحة نجح في تخطي هذه العقبات وأصبح هناك توافق على المشتركات بيننا نحن كحضارات مختلفة، وكلما استطعنا توسيع منطقة التوافق بيننا نحن شعوب العالم كلما كانت النتيجة مزيدا من النجاح على المستوى العالمي.
كما أن المؤتمر عرف مشاركة أطراف كثيرة لم تكن تريد طمس أي حضارة وتدرك أن المنطقة العربية والإسلامية لها حضارتها المتميزة ونموذجها البشري المستمد من دينها الذي نفخر ونعتز به. والوفود العربية والمسلمة كانت ذكية في توسعة قاعدة الإجماع حول الأسرة التقليدية.
كما أننا اتفقنا كلنا لأول المرة على أن الحداثة لا تتعارض مع القيم خاصة أنه كانت هناك فكرة يروج لها على أن الحداثة لا يمكن أن تجتمع مع الأصالة، في هذا المؤتمر أتبثنا قدرتنا على الجمع بينهما مع الاحتفاظ بقيمنا وتاريخنا.
* هل تتوقعون أن تنبثق عن اجتماع الأممالمتحدة حول الأسرة إجراءات وخطط تنزل فيها توصيات إعلان الدوحة؟
نأمل أن تحقق الأممالمتحدة طموحات المؤتمرين وتخرج بإجراءات تراعي إعلان الدوحة، ونحن لم نعد نعرض الأمور ندافع من خلالها عن شكل معين بل نحن نطالب بتحديث أمور وأشياء كثيرة، فنحن نريد رفع الظلم عن المرأة في المنطقة العربية باسم الإسلام، نحن نحمل طلبات كثير من الشباب الذين يطالبون برفع الظلم عن المرأة العربية. كما نأمل أن تحترم الأممالمتحدة متطلبات منطقتنا.
* الملاحظ أن هناك تغيرات تطرأ على الأسرة العربية والمسلمة كما أن هناك موجة إعلامية رائدها الغرب زعزعت شيئا ما الأسرة، فعلى من تقع المسؤولية؟
المسؤولية هنا مشتركة، فإذا قلنا إننا نحاول أن نضع صيغة لإصلاح الأسرة فلابد أن يشترك فيها الإعلام. وأنا أقول إن الإعلام مسؤول رئيسي عن تدهور الأسرة خلال العشرين سنة الماضية لأنه لم يقدم نماذج متميزة تنهض بالأسرة في الفترة السابقة. أنا لا أتحدث عن الإعلام بأنني رافض للفنون بالعكس تماما فأنا أظن أن المسرحية والفيلم والأغنية الفنية المتميزة كل هذه الأشكال مهمة لأي أمة، فهل نتخيل شعبا من الشعوب أو حضارة من الحضارات بدون فن؟ هذا الأمر أساسي، ولكن المهم هو أن يكون الفن الذي يقدم للجماهير يخدم النهضة ومراحلها، وهذا الأمر لم يكن قائما في السنوات العشرين السابقة. كما أنني أتحدى وزارات التربية والتعليم أن مناهجها كانت تقدم نماذج في كيفية بناء أسرة صالحة ودورها في المجتمع. الدور الثالث الذي أعتقد أنه أساسي في هذا المجال هو تجديد الخطاب الديني الموجه لقضايا الأسرة، كل الموجود في قضايا الأسرة كلام جيد من الأئمة الأربعة إلا أن طرحهم يواجه واقعا يخالف تماما الذي كان موجودا قبل ألف سنة، صحيح أن القواعد الشرعية وقيم وثوابت الإسلام لا تتغير ونحن حريصون عليها، لكن المشاكل تغيرت ولا أحد التفت إليها ولم يرشدنا إلى كيفية التعامل معها.
* لكن هناك من يقول بتغير القيم بتغير الزمان والمكان.
هذا الكلام غير صحيح، وحتى الغرب إلى يومنا هذا يقول نحن من حضارة ثوابتها وقيمها مستمدة من المسيحية، فهو لا ينكر هذا، فرنسا لا تنكر ذلك، بالرغم من أن الغرب له مناهج علمانية لكن في الأخير يقول أساس القيم نستمده من المسيحية والإنجيل. من يقول إن القيم تتغير عنده مشكلة في رؤية التاريخ، صحيح أن الناس يتغيرون وكذلك الكثير من الأمور لكن القيم ثابتة. وأنا أعتقد أن علينا أن نخرج بحلول عملية حداثية غير تقليدية مع وجود ثوابت وقيم حضارتنا. نحن لسنا ضد حدوث تطوير، وفي هذا الإطار أقوم في بريطانيا بنموذج عملي من خلال جمعية خيرية بريطانية، هدف هذا النموذج هو إجراء أول بحث ميداني يشمل الوطن العربي كله من المغرب إلى الخليج، حيث سنقوم بجمع كل المشاكل التي تعيشها الأسرة العربية، لأن ما هو موجود في تراثنا هو بحوث فردية تقليدية لا يوجد فيها أي تجديد، وما نقوم به هو محاولة تجميع كل المشاكل التي تعاني منها الأسرة العربية كما نجمع البحوث الأكاديمية التي تمت في العشر سنين الأخيرة وهكذا ستصبح لدينا ذخيرة في الوطن العربي نضيف عليها تصميما لحلول بحضور علماء نفس وعلماء اجتماع وعلماء دين بشكل حداثي غير تقليدي حتى يخرج من هذا كله في يونيو/ حزيران 2005 دليل الأسرة المسلمة للمغرب وآخر لمصر وثالث للسعودية وهكذا. دليل الأسرة هذا سيقسم إلى مراحل، مرحلة الخطوبة، مرحلة كتب الكتاب، مرحلة سنة أولى زواج.. الخ كل مراحل الأسرة ستوضع لها المشاكل التي تواجهها وحلول تلك المشاكل، وسنوفر هذا الدليل حتى يصبح دليلا لكل بيت.
* هذا المشروع أو دليل الأسرة المسلمة هل توجد فيه مساهمة حكومية على اعتبار أن القرار السياسي له دور كبير في إجراء وتطبيق البرامج والخطط؟
الآن المشروع لا يزال ينجز خارج الإطار الحكومي من خلال تعاون بين كثير من الجمعيات العربية والغربية. الغربية نستفيد من خبراتها، والعربية لتجميع البحوث حتى لا تبقى الجهود فردية، وسنكون حريصين على أن تكون المرجعية الإسلامية وحضارتنا وقيمنا هي المنطلق في هذا الدليل الذي سيتحول إلى منتجات. هذه المنتجات سنعطيها لوزارات التربية والتعليم من أجل وضع خطط في هذا الشأن، كما سنعطيها للإعلام لإعداد مسلسلات وأفلام وغيرها، وسنعطيها لفنانين ورسامي كاريكاتير وغيرهم. أما بالنسبة للتعاون الحكومي فنحن تدعمنا حاليا وزارة التربية والتعليم في الجزائر ووزارة الأسرة في الكويت، كما أننا التقينا بالشيخة موزة (حرم أمير دولة قطر) وسيكون بيننا تعاون في هذا المجال أيضا.
* على ماذا سيركز برنامج صناع الحياة في الفترة المقبلة؟
لابد من تحويل طاقة الشباب إلى طاقة حركة، فهم لديهم طاقة وعاطفة وحب وتقديم الخير والنفع. هذه الطاقات إذا لم تستغل وتستثمر في خدمة المجتمع فأين ستصرف؟ قد تتجه هذه الطاقات إلى المخدرات أو إلى المحرمات أو إلى إرهاب. نحن حريصون على أن نوجه كامل طاقات الشباب وقدراتهم إلى أشكال تنموية نهضوية مفيدة لبلداننا وتعمق مسؤوليتهم اتجاه بلادهم ودينهم وأمتهم. ولذلك "صناع الحياة" سيستمر إن شاء الله في الفترة المقبلة في دعوة الشباب إلى إقامة مشاريع نهضوية وتنموية، وهذا الأمر ليس سهلا بل لابد من مساعدات شديدة من طرف الكل. في المرحلة المقبلة من البرنامج لدينا مشاريع زراعية وصناعية وتكنولوجية واجتماعية، وسنضع مشاريع في كل مجال من مجالات الحياة وسنوجه الشباب بقوة من خلال كلامنا في الفضائيات وموقعنا على الإنترنت إلى التحرك وبذل أي مجهود ووضع ولو لبنة في نهضة أمتنا. عبد الحكيم أحمين