فينوس فائق شاعرة وصحفية من أصل كردي، لا تخفي في هذا الحوار اعتزازها بموطنها، كما أنها تؤكد على ضرورة توفر الحداثة في جانبها الثقافي والأدبي على حد أدنى من احترام المبادئ الأخلاقية، وفي الحوار أيضا مواضيع أخرى.. لنتابعها: فينوس فائق.. أنت شاعرة وصحفية كوردية. هل انتماؤك العرقي يؤثر في إبداعاتك وكتاباتك، أم أن الإبداع لا وطن له؟ الإبداع شيء والإنتماء شيء آخر، لكن بما أننا جئنا من تلك المنطقة الموبوءة بالسياسة، فإن الإبداع يأخذ شكلاً آخر. وبما أنني أعتز جداً بانتمائي، وبما أن الثقافة الكوردية كانت من الثقافات التي جرت محاولات لطمسها وتغيير معالمها وتشويهها، فإنني أسخر كل جهدي وأغلب كتاباتي في التعريف بهذه الثقافة التي لطالما كان نصيبها الإهمال والتجاهل على مدى عهود طويلة، ولأن الثقافة والأنطولوجيا الكوردية غنية جداً شأنها شأن أغلب ثقافات الشعوب الأخرى في العالم، هذا ما يصبغ نتاجاتي بالصبغة القومية، رغم أنني ضد التوجه القومي على حساب رفض الآخر، لأنني أعتز بهويتي وأحترم الهويات والقوميات الأخرى، شرط أن لا تعتدي على وجودي وثقافتي وقوميتي وكياني، وأظن أن هذا التوجه موجود عند كل مثقف في الدنيا لكن بدرجات متفاوتة، وكل حسب فهمه الشخصي للمسألة. تتأرجحين في إبداعاتك بين الحلم والكابوس، وبين الخيال الحالم والواقع الجامح. فأين تجد فينوس ذاتها؟. الشعرهو في حد ذاته عالم من الخيال، والكابوس ربما هو الواقع الذي نرفض، فمن الطبيعي أن يتأرجح الشاعر بين الواقع والخيال. الخيال دائماً جميل، وهي المنطقة المضيئة دائماً في أعماق الشاعر، فلو إستكشفتَ أعماقي ستجد منطقة مضيئة بشموع الكلمات والقصائد، والنصوص تستمد نورها وضياءها من النجوم المتلألئة والمضاءة في تلك المنطقة، وأنا أجد نفسي التي أحب عندما أنفرد بنفسي مع نفسي، وأسافر إلى تلك المنطقة المضيئة في أعماقي وأكتب قصيدتي. إنها قمة السعادة عندي.. أحيانا يشعر القارئ بروح الانكسار والانهزامية تدب في إبداعاتك. فلِمَ هذه الروح؟. لا أدري ربما القارىء يرى ما لا أراه، أو يحلل ما لم أقصد، عموماً يكفي أن إنسان الشرق مكبل بالكثير من القيود والإحباطات، وأنا لم أتخلص بعد من عقد الشرقيين مهما أظهرت العكس، مع أنني أدعي أنني تخلصت أو سأتخلص منها.. من منا ليس منكسرا، خصوصاً المثقف الكوردي؟ أنت لو وجهت هذا السؤال إلى أغلب المثقفين الكورد ستجد عندهم مختلف الأجوبة وكلها في محلها، فانقسام الأرض وتشتتنا في المنافي يكفي ليكسرنا ويقصم ظهر كلماتنا. ماذا أضافت لك الحداثة الثقافية إبداعيا؟. في اعتقادي، إن الإنسان أديباً كان أو فناناً لو أراد أن يستفيد من الحداثة، يجب أن تشمل كل مجالات حياته، فلا يكفي أن أكون حداثية فقط في الأدب وأنسى الجوانب الأخرى، يجب أن أكون حداثية حتى في تعاملي البسيط مع الناس، لأن حركة الحداثة تخص حياة الإنسان ككل من ألفه إلى يائه، وفي كل المجالات والميادين، مع ذلك أعود وأقول أن لكل شيء حدوده التي يجب أن نحترمها، فحتى الحداثة لها حدودها، وقد أضافت الحداثة الكثيرإلى مسيرتي الإبداعية لكن في حدود أحترمها ولا أتجاوزها، وهذا يؤكد كلامي أنني لست ثورية وإنما أحب التجديد والتغيير والتحديث، لكن في حدود الإحترام. قد أتحدث عن الجنس والدين والدولة في آن واحد، لكن في حدود الإحترام والأخلاق التي أعتز بها، قد أتمرد لكن باحترام، وقد أطالب بكل حقوقي وأحصل عليها وأمارسها، لكن شرط أن أحفظ للآخر كرامته، فيجب أن أحترم الدولة حتى تحترمني، يجب أن أحترم الدين حتى يحترمني، ويجب أن أحترم الجنس حتى أحافظ على خصوصياتي.. ليس كل خروج عن المألوف حداثة، لأنه ليس كل خروج عن المألوف مرغوب فيه، والحداثة لو كانت تحارب القيم والمباديء الأخلاقية والإنسانية لا تكون حداثة، وإنما تكون شيئا آخر يستوجب تسميتها باسم آخر.. قد يكون بإمكاننا أن نخلق لأنفسنا حداثة مميزة ونضيف بها شيئاً إلى تاريخنا.. تكتبين بالكوردية وبالعربية. أين تجدين ذاتك في اللغتين؟، وهل الإبداع نفسه بالزخم ذاته في اللغتين معا؟. أجد نفسي في القصيدة التي أكتبها بغض النظر عن اللغة التي أكتب بها، لا فرق عندي بين اللغتين، مع الإختلاف الكبير والهائل بينهما، غير أنني أتلذذ بالصور الشعرية في اللغتين بنفس المستوى، والإبداع في حد ذاته له علاقة بالمضمون أكثر ما له علاقة باللغة، فاللغة هي وسيلة لإيصال النص إلى المتلقي، بالرغم من أن الناحية اللغوية والبناء الأدبي والنحوي له تأثير مباشر على هيكل القصيدة، لكن الإبداع نفسه له علاقة بالصور وما تحمله القصيدة من وظيفة.. تكتبين في الصحافة الدولية مواضيع سياسية تتعلق خاصة بالأكراد. ألا تؤثر كتاباتك السياسية في شعرك؟.. بطبيعة الحال، تؤثر السياسة بشكل مباشر في الشعر، وإلا لما كان هناك شعر سياسي، أوشعر مقاومة، فأكثر الشرائح التي تتأثر بالأحداث السياسية في المجتمع هم الشعراء ، فكيف لا تؤثر السياسة في الشعر؟ والوسط الأدبي الكوردي غني بأسماء لامعة في مجال الشعر السياسي.. عن نفسي، أكتب الشعر الرومانسي أكثر، لكنني أحب القصائد التي كتبتها لكوردستان والقصائد التي كتبتها عن مأساة حلبجة وجرائم الأنفال، والقصائد التي أبكي فيها وطني. هل أنت ثورية أم متمردة؟ هذا سؤال يطرح عليك كثيرا. نعم هذا السؤال يطرح علي باستمرار، وهذا مرده إلى كتاباتي التي تمتاز ببعض الصراحة غير المعهودة، خصوصاً من إمرأة وكوردية تكتب باللغتين الكوردية والعربية، وتخاطب العقل السياسي العربي. نعم إنها عقدة المجتمع الذكوري الشرق أوسطي الذي لا يعترف بمهارات وإبداع المرأة، فيصنفه في خانة الخارج عن المألوف وكأن الكلام في السياسة لا يليق إلا بالرجال، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لقلة الأقلام النسوية الكوردية التي تكتب باللغة العربية، واقتحمت مجال الكتابة في ما هو سياسي و ثقافي بهذه الجرأة. قد أكون جريئة، وأميل إلى التمرد على كل ما هو ظالم وغير حقيقي، لكنني لست ثورية بالمعنى المتعارف عليه، لأن الثورية تفقد المرأة صفة الأنوثة، وأنا أعتز بكوني أنثى، لذا أرى نفسي متمردة بطابع آخر أكثر من كوني ثورية.. كلمة عن المشهد الأدبي العربي الراهن؟.. المشهد الأدبي حديث آخر ولو أنه لا ينفصل عن المشهد الثقافي، لكنه أهون، أجده ينمو رغم كل ما يحدث حولنا من إضطرابات و صراعات سياسية ودينية وسلطوية، المهم أن يبقى الأديب بعيداً عن السلطة، فعندما تحتكر السلطة الأدب وأقلام الشعراء تكون الكارثة الثقافية الحقيقية. وأتمنى أن لا يحدث هذا الأمرمع الأدباء العرب، بالرغم من أنني ألمس بعض التقصير من قبل الأدباء في الاطلاع على ثقافات الشعوب التي تعيش بجوارهم، فعلى سبيل المثال ناقشت كثيراً أدباء عرب كبار ووجدت لديهم نقصاً كبيراً في المعلومات حول تاريخ الكورد.. قلت مرة أنك تبدعين وأنت في المطبخ. ما العلاقة بين الطبخ والشعر؟. ليست هناك أية علاقة بتاتاً، فكامرأة داخل البيت يجب علي أن أطبخ وأعد الطعام، وكي لا أفسد على نفسي الأجواء الإبداعية التي أعيش فيها وأستمد منها صوري الشعرية، أضطر أن أمد جسراً بين عالم المطبخ ودفتر الشعر، فعندي عدد من دفاتر الشعر مبعثرة في زوايا المطبخ، بحيث لا أنقطع عن عالم الشعر وأنا أقشر البصل مثلاً، المهم أن تبحث أنت عن الوسيلة التي تريحك وتبقيك في العالم الذي تريد أن تكون فيه.. وهذا ما أفعله حتى أتحمل رائحة البصل أحياناً.. فينوس فائق نوري في سطور صحفية وشاعرة كوردية مقيمة في هولندا. تركت كوردستان منذ عام 1996 واستقرت في هولندا. عضوة في إتحاد النقابات الهولندية (FNV) . عضوة في منظمة (on-file) الخاصة بالصحفيين المهاجرين في هولندا. عملت فترة طويلة بإذاعة الأجانب في مدينة روتردام الهولندية. حاصلة على شهادة عليا في التحرير التلفزيوني من أكاديمية الإعلام في هولندا عام .2004 حاصلة على شهادة في الإنتاج الإذاعي من مركز الدورات التابع للإذاعة العالمية الهولندية عام .2004 تشغل الآن منصب نائب رئيس المركز الثقافي الكوردي في مدينة دنهاخ / لاهاي في هولندا. أصدرت المجموعة الشعرية الأولى لها عام 2000 تحت عنوان الخطايا الجميلة. ناشطة في مجال العمل التطوعي في هولندا في مجال اللاجئين. لديها عمود ثابت بعنوان (توقيع أنثى) في مجلة ( الطبعة الجديدة) التي تصدر عن مؤسسة الرافدين باللغة العربية، وتطبع في الإمارات العربية المتحدة وتوزع في العراق والدول الأوروبية.