تواصل الجزائر حربها غير المُعلنة ضد وحدة المغرب وسلامة أراضيه رغم أزماتها المتعددة، وعلى رأسها العجز في ميزانيتها لهذا العام 2016، والذي بلغ في العشرة أشهر الماضية أزيد من 15 مليار دولار، حسب المعطيات الرسمية لديوان الإحصاء الجزائري. وقد سبق لي في مقالات سابقة أن وصفت مُغازلة وزيرها الأول تجاه المغرب بمجرد خُدعة للتغطية على المؤامرات التي لا تنتهي "الشقيقة" من حِياكتها ضدّ المغرب. وبالفعل هي كذلك لأنها جاءت في سياق تركيز غير مسبوق للدبلوماسية الجزائرية على دول الخليج، بعد إعلان هذه الأخيرة مساندة المغرب في قضية الصحراء خلال القمة الخليجية المغربية في أبريل المنصرم. وقد جرَّبت الدبلوماسية الجزائرية أولى ثمرات التحالف الاستراتيجي بين المغرب والخليج في معركة "جزيرة مارغاريتا"، حين وقفت الدبلوماسية السعودية سداً منيعاً،حال دون إقحام كيان تندوف في مؤتمر عدم الانحياز بفنزويلا. من هذه الزاوية يمكن قراءة التحركات الجديدة للدبلوماسية الجزائرية في منطقة الخليج، والتي بدأت الأسبوع الماضي من الرياض مع السيد سلال، وتواصلت في عواصمالمنامة والدوحة مع السيد لعمامرة؛ وإن حاولت تغطيتها بالحديث عن الاستثمارات أو منظمة "الأوبك". ويبدو أنّ أولى أهداف هذه التحركات قد انكشفت مع ما جرى في عاصمة غينيا الاستوائية مالابو يوم الثلاثاء 22 نونبر 2016. فقد شهد الاجتماع الوزاري العربي الإفريقي اشتباكاً بين المغرب ودول الخليج والأردن من جهة وبين محور الجزائرجنوب إفريقيا داخل الاتحاد الإفريقي في الجهة المقابلة. وقد كان الموقف السعودي مرة أخرى حاسماً إذ أعلن ممثلها عن تضامنه المطلق مع المغرب وانسحاب بلاده من الاجتماع بسبب إقحام "جمهورية تندوف" في هذا اللقاء. وساندت الموقف السعودي كلّ من الإمارات العربية وقطر وعُمان والأردن ثم اليمن والصومال، بينما تخلفت دول عربية أخرى. وهو ما يطرح أكثر من سؤال! ما جرى في مالابو، يوضح مرة أخرى أنّ الجزائر في جولتها الخليجية المتزامنة مع القمة العربية الإفريقية، قد تكون محاولةً للتنويم المغناطيسي لدول الخليج حتى لا تتخذ موقفاً حاداً من قضية الصحراء في قمة غينيا الاستوائية. ومن جانب آخر فهي تسعى جاهدةً لاستدراك الخطأ الاستراتيجي الذي أوقعت نفسها فيه، حين ردّت على قمة المغرب مع الخليج بزيارة طهران ودمشق وموسكو، في رسالة واضحة إلى العربية السعودية خصوصاً ودول الخليج عموماً، مفادها أنّ عدوًّ عدوّي صديق! ولا أدري فيما إذا كانت دبلوماسيتنا الموقرة قد وثقت تصريحات رئيس البرلمان الجزائري ضد العربية السعودية في هذا الصدد أم لا؟ وماذا صنعت بمداخلة وزير خارجية "الشقيقة" في الأممالمتحدة في شتنبر الماضي؟ وكان السيد لعمامرة قد صرّح بأنه لا يعتبر إيران خطراً على أمن دول الخليج، وذلك في ردّ غير مباشر على تصريحات السعودية ارتباطاً بالأزمة اليمنية والسورية. وهي مواقف ليست بالجديدة، فقد سبق لجارتنا الشرقية أن ساندت العدوان الإيراني على العراق في حرب الخليج الأولى. ولم يشاركها ساعتها في هذا الخروج عن الإجماع العربي إلاّ نظام حافظ الأسد! لقد حدث الاختراق بالأمس القريب حين استقبلت مصر وفداً عن "جمهورية تندوف" بدعوى أن البرلمان الإفريقي هو من وجَّه الدعوة. وقبلها لم تُوقع تونس ومصر وموريتانيا على رسالة التضامن التي وقعتها 28 دولة إفريقية جنوب الصحراء، تساند المغرب لاستعادة مكانه في الاتحاد الإفريقي. واليوم تحاول القمة العربية الإفريقية خلق "سابقة" بإقحام هذا الكيان رغم أنّ القمم الثلاثة السابقة رفضت ذلك رفضاً مبرماً. وكلّ خيوط المؤامرة تلتقي عند النظام الجزائري الذي يقود الحملات الدبلوماسية والإعلامية ضدّ المغرب في كل عواصم العالم، ويحتضن القواعد العسكرية للانفصاليين، ويُسلحهم بالدبابات والمدرعات ويسميهم جيشاً ودولة، ويطلق قناة فضائية وإذاعة للانفصاليين من ترابه، ويمنع إحصاء ساكنة المخيمات. ومع ذلك يدعي هذا النظام أنه محايد. إنّه بقدر الاعتزاز بما تُحقّقه الدبلوماسية الملكية في إفريقيا، بقدر ما يشعر المرء بالحسرة على غياب الاستباقية والاستشراف والشمولية في برامجنا للدفاع عن قضيتنا العادلة. وحتى لا نُتهم بتبخيس عمل أحد، فيكفي أن نستحضر أحداثاً ثلاثة متفرقة لنعرف أننا ما زلنا نتعامل بمنطق التجزئة وردود الفعل. أحدها هو الاختراق العربي الأخير، وقبله انضمام الكيان الوهمي في غفلة منّا سنة 2015 إلى اتفاقية جنيف لحماية المدنيين، ثم حُكم المحكمة الأوربية في قضية المنتجات الفلاحية سنة 2016. إننا ما زلنا نهتم بالفلبين حين تضرب الجزائر في مالابو. وننتقل إلى أمريكا اللاتينية حين نتلقى الضربات في المحكمة الأوربية. ونَتَرافع في البرلمان الأوربي حين تهاجم الجزائر في السويد وليتونيا أو إسبانيا وإيطاليا. ونتحدث عن التنمية، حين يكون النقاش عن حقوق الإنسان، وهلمّ مفارقات. وكأنّي بمحمود درويش لم يكن يقصد أحداً سوانا حين أنشد قائلاً: ندعو لأندلسٍ إن حوصرت حلبُ! فإلى متى سنظلّ نشتغل بمنطق "إطفاء الحرائق" في ملف مصيري يعتبره المغاربة جميعاً قضيةَ وجودٍ وليس مسألة حدود"؟