من قيود سلبيتهم تخلصوا، من أسر شهواتهم تحرورا، من وسط ركام المادية نهضوا لصوت الداعي أصاخوا، ولندائه لبوا، ولدعوته استجابوا، ومعه سعوا لصناعة الحياة، وتحركوا وانطلقوا، وشمروا عن ساعد الجد وفى البناء بدأوا. الكل كان مفعما بالأمل، ترتسم على وجوهم ابتسامة مشرقة إلا شيخا عجوزا كان يقبع فى ركن قصي من ذلك المشهد المشرق، وعلى عينيه دمعة تترقرق وهو يهمس قائلا :أخاف أن ينقطع بهم الزاد ، ظلت كلماته يتردد صداها في أذني إلا أنني تناسيتها في غمرة انشغالي بمتابعة ذلك المشهد المشرق المفعم بالأمل، وتلك الهمم التى تناطح السحاب.. وفجأة بدا الإعياء واضحا على ذلك الركب. منهم من بدأ يلهث من شدة التعب، ومنهم من مل من طول الطريق. ومنهم من قال لا فائدة لما نفعل.. ومنهم من فترت همته وخارت عزيمته، إن لكل عمل شرة و لكل شرة فترة فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى و من كانت إلى غير ذلك فقد هلك. ومنهم ومنهم ومنهم، وتحيرت حقا، وتسائلت: كيف يحدث ذلك؟، وتذكرت ذلك الرجل العجوز وكلمته: أخاف أن ينقطع بهم الزاد ، وبحثت عن ذلك الشيخ العجوز لأستفسر منه عما حدث ولم حدث وكيف حدث؟ ولكني للأسف لم أجده فرجعت إلى كتبي أنقب فيها، ووجدت الأجابة لصانع الحياة جناحان يتحرك بهما ويحلق فى سماء صناعة الحياة، الجناح الأول:(يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر)، والجناح الثاني: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)، فإذا كسر أحد الجناحين لن يستطيع صانع الحياة التحليق، انشغل صناع الحياة ببناء الآخرين ودعوتهم دون أن يتزودوا بالزاد الذي يعينهم على مواصلة الطريق، لن نتكلم هنا عن قيام الليل تلك المدرسة، التي تخرج فيها عظماء الأمة وصانعو حياتها، فنحن مازلنا في مرحلة الروضة لم نتخرج منها بعد، ولم نؤهل للدخول في تلك المدرسة العظيمة، ولنقف مع أنفسنا وقفة ولنتسائل: وليجب كل منا بصدق مع نفسه: هل نحافظ على صلاة الفجر ؟ تلك الفريضة الغائبة عن معظمنا هل نصليها قبل شروق الشمس؟ هل نحافظ على باقى الصلوات فى جماعة؟ وإن صليناها في جماعة هل نحرص على صلاتها في الصف الأول؟ وهل نحرص على تلبية النداء مباشرة أم نتأخر كالعادة؟ ويكون صناع الحياة هم من تفوتهم الركعات؟ هل نحرص على ختم الصلاة وترديد أذكارها؟ هل نردد أذكار الصباح والمساء؟ هل؟ هل؟ هل؟ أسئلة كثيرة وإجابات مخيبة للآمال. إنني لا أدعو للإحباط، وإنما دعوة لمراجعة النفس ودعوة للتزود بالزاد الذي يعينك على مواصلة طريقك في صناعة الحياة فيا صانع الحياة لا تكن مهيض الجناح، فيا صناع الحياة إن الدين يسر و لا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا و قاربوا و أبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.