بعد دخول قوات حلف شمال الأطلسي إلى إقليم كوسوفو في 9 يونيو 1999 ثم صدور قرار مجلس الأمن رقم 1244 في 10 يونيو 1999، تتولى إدارة الإقليم "وبصفة مؤقتة" إدارة مدنية تابعة للأمم المتحدة مهمتها الأساسية تهيئة الإقليم للدخول في مفاوضات الوضع الدائم. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة لم يتم أي نقاش دولي حول مستقبل الإقليم منذ رحيل القوات الصربية عنه. ويبدو أن تضارب المصالح السياسية بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حول مستقبل الإقليم في مرحلة ما بعد صربيا لا تزال هي العامل الأساسي في عدم حسم هذا الملف حتى الآن. لذا اتفقت القوى الرئيسية في مجلس الأمن على إصدار قرار بتأجيل مناقشات الوضع النهائي للإقليم حتى أواخر عام 2005، وإلى ذلك الحين يتم تكوين سلطة كوسوفية محلية محدودة الصلاحيات تؤهل تدريجيا على مراحل متعددة لتحمل مسئولياتها، وتقوم الإدارة المدنية المؤقتة بدعم هذه السلطة من خلال بناء مؤسسات ديمقراطية تشارك فيها الأقليات المختلفة بالإقليم وعلى رأسها الأقلية الصربية، وخلال هذه المدة وبالتوازي مع هذا الهدف يتم تفعيل موضوع الحوار "الداخلي" بين الألبان وصرب كوسوفو من جهة بهدف بناء مجتمع كوسوفي متعدد الأعراق تحترم فيه الأكثرية حقوق الأقليات الأخرى. ومن جهة أخرى، يتم دفع الحوار "الخارجي" بين حكومتي برشتينا وبلجراد لحل المشاكل والقضايا العالقة بين الجانبين، وأهمها قضية اللاجئين الصرب والمفقودين الألبان بهدف تحقيق سلام دائم بينهما لتأمين منطقة البلقان مخاطر حروب عرقية أخرى. وكانت الأممالمتحدة قد وضعت 8 معايير دولية يجب تطبيقها كشرط مسبق قبل أخذ قرار بدء مفاوضات الوضع النهائي للإقليم في خريف 2005، على أن تتابع الإدارة المدنية تنفيذ هذه المعايير عن طريق إنشاء مجموعات عمل مشتركة من الجانبين الألباني والصربي، إضافة إلى موظفي الإدارة المدنية الدولية المؤقتة. وتعد جلسة مجلس الأمن الدولي يوم 27 مايو 2005 بمقر الأممالمتحدة في نيويورك أهم جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في الشأن الكوسوفي منذ عام 1999 وحتى اليوم، حيث أعطى المجلس الضوء الأخضر للبدء في عملية تقييم تطبيق المعايير الدولية التي وضعتها الأممالمتحدة؛ وبناء على ذلك، فقد سمّى الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة "كوفي عنان" مبعوثا خاصا لكوسوفو هو "كاي أيدا" رئيس وزراء النرويج سابقا للقيام بعملية التقييم خلال الشهور الثلاثة القادمة التي على أساسها سوف يتخذ المجلس قراره بشأن بدء مفاوضات الوضع الدائم لإقليم كوسوفو بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي ينتظر أن تبدأ في سبتمبر القادم. بهذا تدخل كوسوفو مرحلة مهمة وجديدة تقربها خطوة من المرحلة الأخيرة والمتمثلة في بدء النقاش الدولي المرتقب بمجلس الأمن الدولي حول التسوية النهائية للإقليم الذي يأمل ألبان كوسوفو أن تكون نتيجته هي نيلهم للاستقلال عن صربيا والعيش آمنين ضمن حدودهم التاريخية، وتأهيلهم مستقبلا للدخول في مفاوضات للانضمام للاتحاد الأوربي الذي سيكون بمثابة ضمان للنهوض الاقتصادي من جهة والخروج من دائرة التهديدات الصربية المستمرة من جهة أخرى. في هذا السياق، ثمة عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة على ساحة البحث بعد حوالي 6 سنوات من حكم الإدارة المدنية التابعة للأمم المتحدةللإقليم، أبرزها: هل نجحت هذه الإدارة المدنية المؤقتة في تحقيق دورها المتمثل بتهيئة الأوضاع بالإقليم لمفاوضات الوضع النهائي؟ وهل قام المجتمع الدولي بمساعدة هذه الإدارة على أداء هذا الدور؟ وكيف تجاوب الطرف الكوسوفي "حكومة وشعبا" مع المعايير الدولية الموضوعة من قبل المجتمع الدولي؟ وهل تعاونت الأقلية الصربية مع الأكثرية الألبانية لبناء مجتمع ديمقراطي متعدد الأعراق؟ وما هو موقف حكومة بلجراد من تطور الأحداث في كوسوفو؟ أيضا لا بد من التساؤل حول دور الأطراف الدولية الفاعلة مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي ودول البلقان المجاورة لإقليم كوسوفو.. وهل ثمة تناقضات بين هذه المواقف بالقدر الذي قد يعوق مناقشة المجتمع الدولي للوضع النهائي للإقليم في موعده في سبتمبر عام 2005؟. وترجع قصة الأزمة الكوسوفية إلى عام 1989 حينما قام الرئيس "سلوبودان ميلوسيفيتش" بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو الذي قد منحه إياه الرئيس الأسبق لجمهورية يوغسلافيا السابقة "تيتو" في عام 1974؛ الأمر الذي دفع ألبان كوسوفو بالرد على ذلك بإجراء استفتاء عام بكوسوفو حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991 حيث صوت لصالح الاستقلال 99% ممن شارك به، وبناء عليه، تمت انتخابات رئاسية كوسوفية نجح فيها "إبراهيم روجوفا" الأستاذ السابق بكلية الدراسات الألبانية بجامعة برشتينا في مقدمة لتحقيق الكوسوفيين حلمهم بالاستقلال عن طريق الطرق السلمية والدبلوماسية. وقد عارضت صربيا كل هذه الأمور لأنها لا ترغب في استقلال كوسوفو الذي يقضي على حلم التوسع الصربي؛ ما دفع مجموعات من الشباب الكوسوفيين إلى تكوين جيش تحرير كوسوفو الذي أخذ في شن حرب عصابات ضد الجيش وقوات الشرطة الصربية المتواجدة في كوسوفو عام 1998/ 1999 وهو ما ردت عليه صربيا بحملات إبادة شديدة في المناطق التي ينطلق منها جيش التحرير الكوسوفي، من ثم لم تجد أوربا وأمريكا بُدًّا من التدخل عسكريا ضد صربيا للقضاء على هذه الحملات بعد أن فشلت جهود التفاوض السلمى التى كان آخرها مفاوضات "رامبوييه" مطلع عام 1999 نتيجة لتعنت الجانب الصربى مقابل قبول ألبان كوسوفو للشروط الدولية لحل هذا النزاع، وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999 إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفو في 9 يونيو 1999، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفو لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة. وتبلغ مساحة إقليم كوسوفو حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2,500,000، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفو حوالي 92%، والأقليات هناك (8%) تشمل الصرب والمونتنيغري والبوسنيين والغجر والأتراك. ويعتبر الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99%، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جدا تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفو.