تتكاثر الخواطر التي ترد على ذهن المراقب لمعركة الأمة في الفلوجة، سيما وهي المعركة التي تفرض نفسها على أحاديث الناس في العيد وتكثر حولها الأسئلة، فيما يكثر القهر من ممارسات الغزاة وأذنابهم . في هذه السطور بعضاً من تلك الخواطر. كان مجلس شورى المجاهدين في الفلوجة واعياً لمخطط الغزاة بفرض رؤية واحدة للمعركة، فكان أن دعا وسائل الإعلام والفضائيات تحديداً إلى دخول المدينة، بل تكفل بحمايتهم حتى لو كانوا من الصحافيين الأمريكان. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث مع الأسف، فقد فرض الغزاة رؤيتهم على المعركة، وتمكنوا من تغييب الآخرين على نحو شبه تام، بل إن اللعبة قد تجاوزت ذلك، فقد عمدوا إلى ترتيب نقل الخبر والصورة على طريقتهم، حيث اصطحبوا معهم عدداً من الصحافيين والمصورين كي ينقلوا من الأخبار ويأخذوا من اللقطات ما يناسب القوات الأمريكية. هكذا أصبح العالم أسيراً لرؤية الغزاة للمعركة، كما أصبح أسير المعلومات التي يقدمونها عنها، أكان فيما يتصل بالخسائر الأمريكية أم العراقية. واللافت أن الخسائر الأمريكية المعلنة كانت كبيرة قياساً بمعركة غير متكافئة على الإطلاق تدور بين أقل من ألفي مسلح لا يحملون غير الرشاشات اليدوية وقاذفات (أر بي جي) وبين عشرين ألفاً من المارينز المدججين بالأسلحة والمدعومين بالطائرات والدبابات والأسلحة الثقيلة. يدخلنا هذا إلى جانب آخر يتعلق بميزان القوى في المعارك، ذلك الذي كثيراً ما يتجاهله المؤمنون لدى مناقشة الأحداث، ذلك أن من الضروري القول إن من العبث التعويل على انتصار عسكري في معارك من هذا النوع يختل فيها ميزان القوى على نحو أكثر من سافر لصالح العدو، فنحن هنا أقرب إلى معركة كربلائية يتحدى الدم فيها السيف وينتصر عليه انتصاراً معنوياً لا أكثر، أما الانتصار الواقعي فيحدث لاحقاً نتيجة استمرار تراكم التضحيات التي تستلهم الفعل الكربلائي الاستشهادي على نحو ما جرى في الفلوجة. كان بوسع المجاهدين أن يحقنوا دماءهم وينسحبوا إلى خارج المدينة ويتركوا الغزاة يدخلونها ثم يعاودوا التسلل إليها من جديد لتبدأ المعركة الجديدة، وهو ما سيحدث في أي حال، إذ ستعود الفلوجة إلى سابق عهدها في مطاردة الغزاة بعد أن تكون قد أضافت إلى حقدها عليهم حقداً جديداً تمثل في قتل أطفالها ونسائها واستباحتها على نحو همجي. لكن المجاهدين قرروا الصمود وضرب المثل للأمة ولشعبهم، لأن المعركة هنا رمزية، وهم صمدوا وخاضوا معركة بطولية، لا يقلل من أهميتها أن الغزاة قد قتلوا المئات من المجاهدين ثم اجتاحوا المدينة. هناك أيضا التداعيات التي نتجت وستنتج عنها، والتي يمكن القول إن أهمها شيوع برنامج المقاومة وتجذره في معظم المدن العراقية، بدليل تصاعد الهجمات على قوات الاحتلال على نحو لافت خلال الأيام الماضية. يضاف إلى ذلك ما نتج من تداعيات سياسية تتصل بالانتخابات التي أراد الغزاة إنجاحها، سيما قبل مؤتمر شرم الشيخ المعد لهذا الغرض، وهنا يمكن القول إن المعارضة العربية السنية قد تصاعدت، الأمر الذي سيفقد تلك الانتخابات أي معنىً أو مصداقية. من الخواطر التي ترد على ذهن المراقب، تلك التي تتدافع إلى وعيه حين يشاهد أذناب الاحتلال يتحدثون عن الإرهابيين والصداميين، وعن القتلى في صفوفهم. وهنا لا بد أن يتذكر المرء خطابهم يوم كانوا يتعلمون العمالة في الغرب، والذي كان يركز على القتل والمقابر الجماعية. أما الآن فهم يمارسون أبشع أنواع القتل، ويحفرون المقابر الجماعية ضد مدن تتمرد على الاحتلال، فيما كان الحال الأول هو حكم عراقي يضرب متمردين عليه، فأي فارق بين الحالتين؟! ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني