أورد الإمام ابن القيم، رحمه الله هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر الصيام مفصلا، وننقله هنا عنه مجملا، بما يليق بمقام الاختصار والإظهار: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الدعاء والتضرع والرغبة إلى الله، استجابة لمنادي رمضان يا باغي الخير أقبل. وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن تعلو الصائم علائم السكينة وأمارات الوقار، فكان ينهاه عن الرفث والصخب والسُّباب وجواب السابِّ، ويقول في ذلك: فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم. ومن هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سافر، يصوم ويفطر، ويخير الصحابة بين الأمرين، وكان أصحابه بالفطر إذا دنوا من عدوهم في قتال ليتقووا بذلك على قتاله، وقد قال لأصحابه لمادنوا من عدوهم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، وكانت رخصة، ثم نزلوا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت عزمة. ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم إذا سافر تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد معين، وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون ان ذلك سنته وهديه صلى الله عليه وسلم، فقد قال محمد بن كعب: أتيت أنس بن مالك في رمضان، وهو يريد سفرا، وقد رحلت له راحلته وقد لبس ثياب السفر، فدعا بعام فأكل، فقلت له: سُنّة؟ قال: سُنّة، ثم ركب. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا أدركه الفجر وهو جنب من أهله، أن يغتسل بعد الفجر ويصوم، وكان من هديه وهو صائم أن يقبل بعض أزواجه، وكان يشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء، فقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت يا رسول الله: صنعت اليوم امرا عظيما، قبلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قال: فقلت لا بأس به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يستاك وهو صائم، وكان يصب الماء على رأسه في صيامه، فقد رؤي صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر، وكان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق وهو صائم ولكنه منع الصائم من المبالغة في الاستنشاق، وقد سأله لقيط بن صبرة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة، وكان يصل لإحدى عشرة أحيانا بركعتي الفجر. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ للقيام أن يبدأ بالسواك ثم يذكر الله تعالى ثم يتطهر ثم يصلي ركعتين خفيفتين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين. وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل على ثلاثة أنواع كما قال ابن القيم، إحداها وهو أكثرها أنه كان يصلي قائما، وثانيها: أنه كان يصلي قاعدا ويركع قاعدا، وثالثها أنه كان يقرأ قاعدا، فإذا بقي يسير من قراءته، قام فركع قائما. فاغتنم أخي الكريم كل اوقات شهرك، بل كل ساعات عمرك في إثبات محبتك لله، باتباعك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الله ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك)