يبدو أن المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية،المشكل عقب نجاح المحاولة الانقلابية التي أطاحت بالرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع،سائر في اتجاه انتزاع المزيد من الاعترافات الدولية الوازنة خاصة بعد تراجع واشنطن عن موقفها المجاهر بإدانة ما وقع واعتباره منافيا للشرعية الدولية ونكوصا عن التوجهات الديمقراطية التي بدأ الموريتانيون يتلمسون طريقها على عهد الحكم السابق؛حيث أعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية آدام إيرلي عن شروع إدارته في التعامل مع الانقلابيين باعتبارهم الحاكمين الفعليين للبلاد مع الحرص على إقناعهم بضرورة تأمين الانتقال الدستوري للسلطة. وقد جاء هذا التحول على خلفية اللقاء الذي جمع زعيم الانقلابيين العقيد علي ولد محمد فال بالسفير الأمريكي لدى موريتانيا بقصد طمأنة البيت الأبيض بشأن المستقبل السياسي للبلاد بعد إزاحة حليفه من سدة الحكم،سيما وأن الأمريكان كانوا في حاجة إلى تبديد مخاوفهم بخصوص المخاطر المحتمل أن تهدد مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة.كما شكل اجتماع العقيد علي بسفير الكيان الصهيوني مبعثا آخر لارتياح واشنطن وتل أبيب، على حد سواء، خاصة بعد الشكوك التي حامت حول نية الحكام الجدد طي صفحة العلاقات الديبلوماسية مع الصهاينة . على أن مرد الانزعاج الذي راود الأمريكيين هو ما تردد من حديث عن وقوف فرنسا وراءالانقلاب الأخير وكذا الكلام الذي تدوول بشأن انتماء الضباط الذين استولوا على الحكم إلى المعسكر الموالي لباريس داخل الجيش الموريتاني مما يعني استئناف حرب النفوذ في هذا البلد بين الأمريكان والفرنسيين بعد أن كان النظام السابق قد أنهاها لصالح واشنطن عام 1999 إثر تدهور العلاقات الموريتانية -الفرنسية كنتيجة عن اتهامات بعض المنظمات الدولية لنواكشوط بالتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وغضها الطرف عن استمرار العمل بتجارة الرق؛حيث عمل ولد الطايع وقتها على استمالة البيت الأبيض وكسب وده عن طريق تطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني. واشنطن توجست خيفة أيضا من تعيين سيدي محمد ولد بوبكر رئيسا للحكومة القادمة علما بأن الرجل قضى فترة طويلة سفيرا لبلاده في باريس، أكثر من ذلك فقد سبق وعين رئيسا للوزراءعام 1991وهي الفترة التي كانت تعرف ازدهارا للعلاقات الموريتانية -الفرنسية؛غير أن تسرب معلومات عن اعتزام ولد بوبكر تعيين سفير نواكشوط الحالي لدى دمشق أحمد ولد سيدي أحمد في منصب وزير الخارجية طمأن إلى حد بعيد الإدارة الأمريكية بشأن نهج الحكام الجدد،سيما وأن الرجل سبق له وأن تقلد ذات المنصب بل هو من وقع في واشنطن على وثيقة رفع مستوى العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني إلى مستوى تبادل السفراء عام1999. إضافة إلى كل ما تقدم،يجب أن لانسقط من بالنا كون الطريقة السلمية التي وقع بها الانقلاب ،وكذا التجاوب الشعبي الذي قوبل به خاصة بعد الخطوات الانفتاحية التي أقدم عليها الحكام الجدد بإفراجهم عن العديد من المعتقليين السياسيين،هذا فضلا عن تجنبهم السقوط في متاهات فرض الأحكام العرفية وحل الأحزاب السياسية ومصادرة الصحف كما عودنا انقلابيو دول العالم الثالث؛هذه الإشارات الإيجابية لا بد وأن تكون قد أحرجت الإدارة الأمريكية التي ظلت حتى وقت قريب متشبثة بعودة ولد الطايع إلى مباشرة الحكم ،بل وأرغمتها على معاودة تكييف موقفها حتى ينسجم مع المستجدات الأخيرة.