ذلك لأن النظر إلى الذات القدوة أفعل في النفس من السماع عنها، وأبقى لأثر الخير في ناظريها. وقد كان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الحظ الأوفر لمجالستهم له ومشاهدتهم إياه وقربهم منه فكانوا خير أمة أخرجت للناس بعد سيد الناس. ورؤية الرجل الصالح القدوة إنما تذكر بالله، لما يرى عليه من النور، والإشراق والأنس والطمأنينة والمحبة والسكينة في سمته وهيئته وخشعته، في نطقه وصمته، وحركته وسكونه وكل شؤونه، فلا ينظره ناظر إلا كان نظره إليه مذكرا له بالله، وكانت صورته موجهة له إلى الإقبال على الله، أولئك إذا رُؤوا ذكر الله. قال الحكيم الترمذي عن قوله (من ذكركم بالله رؤيته): هم الذين عليهم من الله سمات ظاهرة علاهم بها، القربة ونور الجلال وهيبة الكبرياء وأنس الوقار، فإذا نظر الناظر إليه ذكر الله تعالى لما يرى عليه من أثر الملكوت. والقلب معدن هذه الأشياء ومستقر النور، ويشرب الوجه من ماء القلب فإذا كان على القلب نور سلطان الوعد والوعيد، أدى الوجه ذلك النور، فإذا وقع بصرك عليه ذكرك البر والتقوى، ووقع عليك منه مهابة الصلاح، والعلم بأوامر الله تعالى، أولئك هم عباد الرحمان الذين وصف الله حركاتهم وسكناتهم في سورة الفرقان. وقال عنهم القائل: إذا سكتوا رأيت لهم جمالا وإن نطقوا سمعت لهم عقولا قال عمر بن عبد العزيز: لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي إلي من الدنيا وما فيها. (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مبن مسعود أحد فقهاء المدينة لاسبعة). وقال أيضا: والله إني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك؟، فقال: أين يذهب بكم؟ والله إني أعود برأيه وبنصيحته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف، إن في المحادثة يعني له ولمثله تلقيحا للعقل، وترويحا للقلب، وتسريحا للهم، وتنقيها للأدب. وما أصدق قول القائل: إذا سكن الغدير على صفاء وجنب أن يحركه النسيم بدت فيه السماء نبلا افتراء كذلك الشمس تبدو والنجوم كذلك وجوه أرباب التجلي يرى في صفوها الله العظيم ومجالسة الصالحين أو سماع الحديث عنهم مما تطمئن به القلوب وتنشرح به الصدور وتنصلح به الأخلاق والأعمال، وقد جبلت القلوب على حب تقليد الصالحين والسير على منوالهم، وعلى الرغبة في التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم وأقوالهم. قيل: وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح ومجالسة الصالحين، أو سماع أخبارهم أو قراءة وقائعهم وسيرهم من أهم مقاصد الحياة عند العقلاء الصلحاء، وفي هذا يقول عمر بن الخطاب: لولا ثلاث في الدنيا لما أحببت البقاء فيها: 1 لولا أن أجمل وأجهز جيشا في سبيل الله. 2 ولولا مكابدة الليل يعني قيام اليل . 3 ولولا مجالسة أقوام ينتقوم أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر. فاللهم اجمعنا مع الطيبين الأخيار الصالحين واحشرنا في زمرتهم. آمين. والحمد لله رب العالمين محمد بوشنتوف