انطلقت يوم الخميس 13مارس2003 أشغال الاجتماع الأول للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وهو ما يمثل محطة لكشف صدقية الشعارات المعلنة حول دور جديد للمجلس في صيانة الحريات والدفاع عن الحقوق، فمنذ الإعلان عن الظهير الجديد في أبريل من سنة 2001، والذي أتاح للمجلس اختصاص التصدي لحالات خرق حقوق الإنسان إما تلقائيا أو بطلب من يعنيهم الأمر عبر دراسة الحالات وتقديم توصيات بشأنها، وبالرغم من أن هذا الاختصاص مقيد بأغلبية الثلثين، إلا أن المجلس مدعو لتحمل مسؤوليته في هذه المرحلة، بفعل التركيبة الجديدة التي أعلن عنها في دجنبر 2002، والتي تضمن عددا من الشخصيات ذات السجل في مجال الدفاع عن الحريات. ينعقد المجلس في ظرفية حرجة ومعقدة فمن جهة هناك العودة الحادة لظاهرة الاختطافات والتي بلغت التقديرات الإعلامية لعدد المختطفين ما يقارب العشرين اختطافا، ومن جهة ثانية هناك استمرار حالات الاعتقال السياسي بل وتضخمها بفعل انظمام معتقيلن آخرين إلى قائمة المعتقلين السياسيين والتي تقدر بأزيد من أربعين معتقلا، بالإضافة إلى المتابعات الجارية في حق العديد من المواطنين والمفتقدة لأساس سليم وخاصة حالات كل من المتابعين في إطار أحداث وقفة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ليوم10دجنبر2000 من جماعة العدل والإحسان، وحالة معتقلي عكاشة في قضايا ما يسمى بالسلفية الجهادية والبلغ عددهم عشرين متابعا، وحالة معتقلي أحداث تولال بمكناس (غشت 2002) وعددهم سبعة، وحالة مجموعة معتقلي السجن المدني بسلا والبالغ عددهم اثناعشر متابعا، قضية كل ذلك بموازاة العزم الحثيث لإخراج قانون مكافحة الإرهاب رغم الانتقادات الحادة الموجهة له من مختلف الفاعلين الحقوقيين والمدنيين باعتباره يمثل تغطية قانونية لعدد من الانتهاكات الحقوقية التي تشهدها عمليات الملاحقة والمتابعة القضائية للمشتبه فيهم. تصفية الاعتقال السياسي يمكن القول أن أول ملف يفرض نفسه على المجلس في صيغته الجديدة هو الإقدام على التصفية النهائية لملف الاعتقال السياسي، وإيجاد حسم سريع يفضي إلى الإفراج على كافة المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم المعتقلون الإسلاميون، والذين يبلغ عددهم 36 معتقلا موزعين على تسع مجموعات: - معتقلان ضمن مجموعة محاكمة 1975 . - معتقلان ضمن مجموعة71 محاكمة يوليوز 1984. - معتقلان ضمن مجموعة 26 محاكمة شتنبر1985. - 12 معتقلا ضمن مجموعة معتقلي جماعة العدل والإحسان- محاكمة يناير1992. -7 معتقلين في إطار المحاكمة العسكرية بالرباط سنة1994. - 7 معتقلين في إطار المحاكمة العسكرية بالرباط في سنة 1996. - معتقل محاكمة الرباط في سنة 1995 ( الهجوم على السفارة الروسية). - معتقل في إطار محاكمة يوليوز1999. -معتقلين في إطار مجموعة مراكش 1986-محاكمتي الناظور( مارس 1988 وأبريل1997) وتضاف لهذه المجموعات السبع محاكمة مجموعة فاس 1995 والتي تظم ستة معتقلين، بالإضافة إلى حالة المعتقل السياسي الصحرواي علي سالم التامك. بناءا على ماسبق نجد أن الحصيلة العددية ثقيلة ولايمكن الاستمرار في تغطيتها بالغربال، بل تحتاج لمبادرة شجاعة تؤدي للتصفية النهائية لهذا الملف والإقلاع عن كافة الممارسات التي تساهم في تضخمه واستفحاله، لقد حصل استثناء فاضح لعدد من المعتقلين الإسلاميين في مختلف محطات العفو عن المعتقلين السياسيين، سواء في يوليوز 1994 أو في أكتوبر1998 أو في صيف 2002 بمناسبة الزواج الملكي، وفي كل محطة كانت الجهات المسؤولة تنكر وجود معتقلين سياسيين أو لأسباب سياسية لتعود بعد ذلك في المحطة الموالية وتفرج عن جزء وتخفض العقوبة عن جزء ثان وتتجاهل جزءا ثالثا بشكل كلي، في الوقت الذي رفعت فيه السلطة شعارات طي صفحة الماضي وأقدمت على تشكيل لجنة لتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة، فماهي المبررات التي تحول دون تصفية هذا الملف؟ وما هي الجهات التي تقف في وجه مبادرات حله؟ رغم الوعود التي قدمت لهم، ورغم تصاعد الحركات الاحتجاجية للمعتقلين. الكف عن اساليب الاختطافات وإيقاف المتابعات الجارية إلى جانب قضية الاعتقال السياسي تمثل قضية الاختطافات المتواصلة والمتبعات الجارية القضية الثانية المطروحة على المجلس وهو ينطلق من جديد، وهي حقيقة ستمثل الامتحان الثاني للمجلس بفعل التداعيات السلبية والحادة لهذا الملف على واقع الحريات العامة ببلادنا، ذلك أن الاختطافات التي تمت منذ ماي 2002 وتواصلت طيلة الشهور الماضية وماتزال، قد كشفت عن انتكاس فضيع في الحريات وحماية الحرمات، ونسف جهود النهوض بواقع حقوق الإنسان، وتعيد إنتاج الأساليب القديمة التي ماتزال المغرب يؤدي ثمنها ويعمل على إيجاد السبل الكفيلة بطي صفحتها. المعطيات المتدوالة تكشف حصول العديد من الاختطافات خارج القانون وحصوص عمليات احتجاز مخالفة للمقتضيات القانونية في إطار ما أصبح يسمى بالمعتقل السري بتمارة التابع لجهاز المحافظة على التراب الوطني، لقد لجأ العديد من المختطفين إلى وسائل الإعلام وكشفوا معطيات فاضحة عن ظروف عمليات الاختطاف والاستنطاق وماصاحبهما من عمليات انتهاك جسيمة للكرامة الإنسانية ولضمانات المحاكمة العادلة، وما تلاها من إحالة أزيد من عشرين منهم إلى التحقيق، حيث يوجدون بالمركب السجني بعكاشة بالدارالبيضاء، هذا في الوقت الذي أنكرت الجهات الحكومية المسؤولة وجود اختطافات، مما يعد تواطؤا مكشوفا مع المتورطين في هذه الانتهاكات. الواقع أن الأمر ليس مرتبطا بحالة هنا أو هناك بل يوشك أن يتحول إلى مناخ عام يؤطر سلوك الجهات الأمنية مع المشتبه فيه، ولم يعد يقتصر على هذه المدينة أو تلك بل يطال عموم مدن المغرب وقراه، بما تحول معه الوضع إلى حملة شاملة عضدها ما تدوالته وسائل الإعلام الأمريكية عن المساعدة المغربية الهامة في مجال التحقيق مع معتقلي غوانتانامو واستقدام بعضعهم للمغرب من أجل مو اصلة التحقيق، في غياب أدنى ضمانات التعامل العادل والشفاف، والحاصل أن صمت الجهات المسؤولة إزاء اللوائح التي يتداولها الإعلام الوطني عن مختطفين مجهولي المصير يحتم على القوى الحية الدخول في مبادرات قوية لفرض الإفراج عليهم أو تقديمهم للمحاكمة، نتوقف هنا عند حالة المختطفين الثلاثة عبد الله المسكي الذي اختطف في 15 يوليوز2002 وحالة عزيز شهريار الذي اختطف في20 شتنبر2002 ثم حالة كتوبي الكبير في 3 نونبر 2002 فرغم الإعلان عن ذلك لم تحرك السلطة ساكنا حتى تم الدخول من طرف الناشطة الحقوقية خديجة الرويسي في بداية هذه السنة في إضراب عن الطعام مما أدى للإفراج عن إثنين منهم وتقديم ثالث للمحاكمة. خلاصة إن انعقاد المجلس سيكون مناسبة لتتحمل القوى السياسية والمدنية مسؤوليتها في الوقوف في وجه الانحدار المتتالي في الحريات العامة والتدشين لصفحة جديدة يتم فيها تصفية ملفات الاعتقال السياسي والحد من مختلف أشكال الاختطافات والاحتجازات غير القانونية ومحاسبة المسؤولين عنها. مصطفى الخلفي