يقول التوضيح الذي أورده البيت الأبيض بشأن العقوبات التي فرضت على سوريا إن "الرئيس بوش سيفكر في فرض عقوبات إضافية محتملة ضد السلطات السورية إذا لم تتخذ تدابير ملموسة لوقف دعم مجموعات إرهابية ووقف برامجها لتطوير أسلحة دمار شامل وسحب قواتها من لبنان والتعاون بشكل تام مع المجتمع الدولي للمساعدة في تحقيق استقرار وإعادة إعمار العراق". تلخص الفقرة السابقة حيثيات الأزمة بين الولاياتالمتحدة وسوريا في شقها المعلن، فيما الحقيقة مختلفة إلى حد كبير، ليس من زاوية الملفات المطروحة، وإنما من زاوية واقعية وكذلك أهمية بعضها قياساً بالبعض الآخر. من المؤكد أن الظروف المحيطة قد جمعت على سوريا الحقد الإسرائيلي والأمريكي في آن معاً، فتل أبيب المحبطة من سيناريو الوضع العراقي تعتبر سوريا سبباً من أسباب الفشل، مضيفة إلى ذلك إصرار دمشق على دعم "الحركات الإرهابية"، وفوق ذلك تسويق خطاب رافض في السياق الفلسطيني والعربي عموماً، الأمر الذي يجعل منها عنصر تخريب على أية محاولة للتهدئة في الجبهة الفلسطينية، فضلاً عن كونها عنصر تخريب على إمكانية النجاح الأمريكي في العراق، الذي لا يهدد النفوذ الإمبراطوري الأمريكي فحسب، بل ويبدد فرصة استثمار الانتصار وتداعياته إسرائيلياً أيضاً. من المؤكد أن لائحة الاتهام الأمريكية ليست مطلوبة بالكامل، إذ بالإمكان تقديم بند وإلغاء آخر، بل إن بالإمكان التفاوض على بعض البنود، فالوجود السوري في لبنان ليس ملحاً إلا في سياق المساومة والابتزاز، وكذلك حال أسلحة الدمار الشامل التي لا تختلف كثيراً عن الكذبة التي افتضحت في العراق. أما الملف الفلسطيني، فإن بالإمكان أيضاً التراخي في تطبيقه من حيث أنه سيكون من الصعب على دمشق تنفيذه مباشرة في هذه المرحلة. المسألة الأساسية التي تشغل بال الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة هي العراق، وإذا ما نفذت دمشق المطلوب منها على هذا الصعيد، فإن المطالب الأخرى يمكن التعامل معها يشكل مختلف، وإن بقي الملف الفلسطيني ملحاً، سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وحاجة بوش لمزيد من مجاملة اليهود. ليس المطلوب بالطبع، هو ما ذكره البيت الأبيض، أي التعاون مع المجتمع الدولي للمساعدة في إعمار العراق، وإنما مساعدة الاحتلال الأمريكي في تثبيت أقدامه. والحال أن دمشق لن تقبل مساراً كهذا، لأنها ببساطة ستكون كمن يلف الحبل حول عنقه، سيما وهي التي تنفست الصعداء باندلاع المقاومة العراقية وتصاعدها وصولاً إلى بروز معالم فشل المشروع الأمريكي في العراق. من المؤكد أن دمشق لا تفعل الكثير لإسناد المقاومة العراقية، وإذا فعلت فهي لن تترك أثراً على فعلها، سيما وهي تملك القدرة على ذلك، وما حكاية الحدود وتسرب المقاتلين العرب سوى شاهد على التخبط الأمريكي في صياغة لائحة الاتهام المباشرة بحق سوريا. في كل الأحوال تبدو الاستجابة السورية للضغوط الأمريكية وصفة انتحار لن تقدم عليها دمشق، حتى لو فعلت ذلك دون ضجيج، ذلك أنها ستظل تراهن على تصاعد المأزق الأمريكي الذي يحسن بدوره شروط المواجهة، لكن ذلك يبقى في حاجة إلى تمتين الجبهة الداخلية بمزيد من الانفتاح على الشارع وقواه الحية، وذلك كي تكون البلاد جاهزة لمواجهة الهجمة، سواء بقيت في سياق العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية، أم تجاوزتها نحو خطوات أسوأ، حتى لو كان احتمالها ضئيلاً بسبب صعوبة إقدام واشنطن على فتح جبهة جديدة فيما الجبهة الأخرى لا زالت تشتعل ناراً. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني