تناول الإعلام المغربي خلال الأسابيع الأخيرة ظاهرة العنف ضد الساكنة الآمنة والعنف ضد الأطفال والخادمات والنساء وهكذا... وقد بقي التناول محصورا في إطار العنف الاجتماعي الذي يستهدف شرائح معينة من المجتمع، والواقع أن هناك مظهرا للعنف ينبغي ألا نغفل عنه ويتمثل في العنف داخل المؤسسات ذات الطابع السياسي وخصوصا عندما يكون ضد المرأة التي اختارت ولوج عالم السياسة قناعة منها بأن هذا الولوج هو الطريق الصحيح لتحقيق التنمية الشاملة وهو مؤشر يؤكد المناخ الديمقراطي الحقيقي. صحيح أن المغرب عرف في العهود الأخيرة طفرة نوعية على المستوى السياسي ساهمت في تفعيل الإقرار بالحقوق السياسية للمرأة المغربية والتي تم التنصيص عليها في مختلف الدساتير التي تعاقبت على المغرب منذ سنة ,1962 وقد ظهرت نتائج ذلك في المؤسسة التشريعية، إلا أننا مع ذلك لا يمكن أن ننكر فضل الجهود التي عملت على صياغة آليات مكنت المرأة من التغلب على الكثير من العراقيل والعقبات، وفرض وجودها داخل الهيأة تشريعية، وأصبح المغرب بهذا الإجراء يعتبر نموذجا واستحق بذلك التنويه في المحافل الدولية.. إلا أن ما صح قوله على مستوى البرلمان مع الأسف لا يصدق قوله على مستوى المجالس البلدية أو القروية، حيث لم تكن الإرادة جادة للدفع بالمرأة لتنخرط في تسيير الشأن المحلي بصورة تعكس مساهمتها الحقيقية في مجال التنمية الشاملة لاسيما وأن الشأن المحلي يعتبر الفضاء المباشر الذي تتحرك المرأة داخله وتنفعل معه، وبذلك كان وجود المرأة في هذه المجالس ونقصد مجالس الجماعات الحضرية هزيلا لا يعدو أن يكون رمزيا بل منعدما في كثير من المواقع مع تغيبها التام عن المجالس القروية. إن ضعف حضور المرأة في المجالس يرجع لأسباب متعددة يتقاطع فيها الذاتي والموضوعي، إلا أننا نؤكد على أن السبب الذاتي المرتبط بالإرادة والكفاءة لا يعتبر السبب الأساس بل هناك سبب موضوعي مرتبط بالمناخ العام، فالانتخابات في المغرب لا تزال مجالا محصورا في الصراع حول المقعد والموقع وتحقيق الأهداف الخاصة، هذا الصراع الذي يستعمل العنف الكلامي واستخدام العضلات أحيانا والعنف المعنوي، بدل البرامج والتوجهات حيث تطغى الغرائز ذات الطابع الانفعالي الحاد الذي يؤثر على سلامة السلوك وصحة الرأي... وهكذا تجد المرأة نفسها في المجلس إن قدر لها أن تكون داخل فضاء ذي طبيعة خاصة، إذ لم يتعود هذا الفضاء وجود العنصر النسائي داخله ولم يحاول بعض عناصره تغيير العقلية النمطية التي لا تزال مصرة على أن المجال السياسي ومنه التسيير الجماعي، حكرا على الرجال. هل على العنصر النسائي تجاهل مميزاته الطبيعية والانسلاخ منها كي ينسجم مع فضاء الرجال؟ أم أن هناك سلوكا آخر يجب أن يفرض على المرأة والرجل على حد سواء، وهو السلوك الحضاري الذي يخضع للأعراف وتنظمه القوانين هذا السلوك الذي يعتبر كرامة الأفراد حقا طبيعيا يحتل قمة المميزات التي منحها الله للإنسان. ومما لا ريب فيه أن العلاقة بين حفظ كرامة الأفراد وتحقيق التنمية من المسلمات التي لا يحتاج إلى أن ينادى بها في المحافل الدولية لتكتسب حظا من المصداقية. إن الدعوة إلى انخراط المرأة في العمل السياسي يجب أن يصاحبه وعي لدى المثقف، وذلك باعتبار المثقف يمثل النخبة التي يعول عليها لتخليق الممارسة السياسية، وبذلك يفسح المجال للنساء اللواتي مازلن يتلمسن الطريق وكي لا يكون العنف مدعاة للنكوص والتراجع. المستشارة فاطمة العلوي-مكناس