"الأساتذة التجمعيون" يعلنون انسحابهم من مؤتمر نقابة التعليم العالي منددين "بغياب النزاهة والشفافية"    البطولة: أولمبيك آسفي يفرض التعادل على الجيش الملكي وحسنية أكادير يواصل سلسلة نتائجه الإيجابية    الكاف يحسم جدل مباراة ليبيا ونيجيريا بعد احتجاز بعثة الأخيرة بالمطار    حجز كميات مهمة من مخدر الكوكايين على متن شاحنة للنقل الدولي بميناء طنجة المتوسط    طالب طب يضع حدا لحياته بسبب أزمة طلبة الطب والصيدلة    ثلاثة قتلى والعديد من الجرحى في انفجار وانهيار مبنى شمال اسبانيا (فيديو)    غضب بسبب اعتداء حارس امن إسباني على مغربي داخل قنصلية    بنكيران: نرفض التطبيع مع إسرائيل.. والعثماني مُطالَب بالاعتذار عن التوقيع    الإماراتي اليماحي يترأس البرلمان العربي    مجلس المنافسة يداهم مقر "غلوفو" بالدارالبيضاء بمعية ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية    نشرة إنذارية.. تساقطات مطرية قوية مرتقبة السبت وغدا الأحد بهذه المناطق    الرباط.. استقبال طلاب فلسطينيين للدراسة بمعهد الحسن الثاني    بعد السماح بالاستيراد.. هذه أسعار اللحوم الحمراء المتوقعة    تعديل حكومي أم عقاب سياسي؟    حكيمي.. "العلاج النفسي أنقذني".. نجم كرة القدم يكشف عن جانب آخر من شخصيته    مواجهة المغرب و ليسوتو.. حكم مثير للجدل يقود المباراة    توقعات بتسجيل تساقطات مطرية وانخفاض في درجات الحرارة بالمغرب    الملك محمد السادس يهنئ الرئيس الفيدرالي لجمهورية النمسا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    استثناء مباريات اتحاد طنجة من الجماهير يثير غضب المشجعين    من بينها الحسيمة وتطوان.. المكتب الوطني للمطارات يعتزم استثمار 123 مليار لتوسيع عدد من المطارات    إحداث أزيد من 54 ألف مقاولة بالمغرب عند متم شهر يوليوز الماضي    ارتفاع عدد حالات التسمم الغذائي في "ماكدونالدز" بالولايات المتحدة الأميركية    انخفاض مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء طرفاية    منظمون: الدورة ال15 من الماراطون الدولي للدار البيضاء ستعرف مشاركة عدائين عالميين يمثلون أزيد من 50 بلدا    عن سن ال 56… اللاعب البرازيلي زي كارلوس يترجّل عن صهوة الحياة    وهبي: القانون الدولي يخدم البلدان القوية .. و"التأويلات المفرطة" تستدعي اليقظة        إسرائيل تقصف مصانع صواريخ إيران    "ائتلاف دعم حراك فكيك" يدعو الحكومة إلى رفع التهميش والتضييق السياسي والاقتصادي والاجتماعي على المدينة    تنسيق نقابي يدعو وزير الصحة الجديد إلى تنفيذ جميع بنود الاتفاق الموقع مع الحكومة    "الواشنطن بوست": هل تُمارس إسرائيل تطهيرًا عرقيًا حقيقيًا في غزة؟            المخرجة سعدي تهتم ب"إدمان النساء"    إيران تقلل من أضرار هجوم إسرائيل    إيران: إسرائيل استهدفت نقاطا عسكرية في طهران وخوزستان وإيلام مخلفة "أضرارا محدودة"    اختبار أول صعب ل"الصديقي" رفقة يوسفية برشيد أمام "الراك"    كيوسك السبت | توقع إحالة أزيد من 65 ألف موظف على التقاعد خلال الفترة 2024-2028    مشروع صوت المساواة المغاربي ودعوات لتعزيز أنظمة حماية النساء ضحايا العنف    هجوم إسرائيلي جديد يستهدف مواقع لتصنيع الصواريخ في إيران    تلفزيون إيران: 6 انفجارات قرب طهران    أكاديمية المملكة تتذوق "الطبخ الأندلسي" .. مؤرخ: المطبخ يصنع الأخوة الحقيقية    الرباط.. افتتاح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية    موسى: العرب يعيشون مذلة قومية.. وازدواجية المعايير أسوأ طعنة للسلام    اتصالات المغرب تسجل رقم معاملات موطد بقيمة 27,46 مليار درهم    تدشين أول رحلة جوية مباشرة تربط نيويورك بمراكش    بعد وفاة شخص وإصابة آخرين إثر تناولهم "برغر" من "ماكدونالد" بأمريكا.. السبب هو البكتيريا الإشريكية القولونية        الغافولي يعيد إصدار "المعفر" بتوزيع جديد    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. قائمة المشاريع والأفلام المختارة في ورشات الأطلس    لا بَيْتَ في الدَّارْ!    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    فرط صوديوم الدم .. الأعراض والأسباب    التغير المفاجئ للطقس بيئة خصبة لانتقال الفيروسات    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش ضجة فيلم آلام المسيح لميل غيبسون.."مسيح يتأمل وقاعات سينمائية تتألم
نشر في التجديد يوم 01 - 04 - 2004

تحولت القاعات السينمائية الأمريكية، منذ أواخر شهر فبراير الماضي، إلى ما يشبه أماكن العبادة والتعبد على الأقل بالنسبة للبعض بعد العروض التي أقدمت عليها أكثر من 3000 قاعة عرض سينمائية أمريكية لفيلم غيبسون، الذي يحمل عنوان آلام المسيح، الفيلم الذي استقى مادته السينمائية من أحداث تاريخية لها حساسيتها الدينية، بالنظر لتركيز الفيلم بالخصوص على مشاهد العذاب والتعذيب للساعات الأخيرة من حياة السيد المسيح عليه السلام. وإذا كان مخرج الفيلم يعتبر منتوجه السينمائي جاء استجابة لنداء ديني داخلي ألهم إليه من طرف الرب، إلا أن البعض من اليهود وبدافع ديني كذلك اعتبر الفيلم منتوجا هوليوديا تجاريا متحاملا لن يعمل إلا على استعادة موجة العداء للسامية، التي سادت بقوة في فترات معينة من التاريخ، وذلك من خلال إحيائه من جديد، وبالصوت والصورة هذه المرة، للأفكار القائلة بمسؤولية اليهود عن قتل السيد المسيح عليه السلام.
قد يكون من المفيد جدا، بالنسبة لعاشق الفن السابع تحديدا، أن يسلح نفسه بقدر يسير من النباهة وإعمال لحاسة النقد إذا ما هو أراد العيش والانغماس في الفضاء السنيمائي الجديد الذي اقترحه السيد غيبسون هذه المرة على عشاق إنتاجاته، إذ في الوقت الذي يجد فيه هذا الأخير من التركيز على العذاب الذي تعرض له السيد المسيح نوعا من المتعة الدينية، يخفف بها عن حقيقة معاناته الشخصية وهو الذي اجتاز في بعض مراحل حياته فترات عصيبة لم يكن بمقدوره تجاوز وقعها وحمولتها النفسية منفردا إلا بعد أن تأمل معاناة السيد المسيح والعذاب الذي تعرض له، بل إنه يقول في ما يشبه الحديث الصوفي المليء بالألغاز إنه، وبتجربة المعاناة الشخصية التي عاشها قبل حوالي 13 سنة تقريبا، صار قريب الفهم والإدراك لمعنى العذاب والمعاناة التي تعرض لها السيد المسيح، ولذلكم فقد آثر في شبه مغامرة غير مضمونة العواقب أن يرمى بثقل رمزية إسمه في سبيل إنجاز عمل يبتعد فيه نسبيا عن ما سبق أن عود عليه الجمهور من خلال أعمال من أمثال ْفًّمومفُّْ،حفل حفٍّ،جمُّوفٌ طمفَُِ، ليقترب هذه المرة من عوالم الروح والقدسية، كما لو أنه وضع قبعة رجل السينما جانبا ليلبس
عباءة رجل دين جاء للقيام بمهام تبشيرية لفائدة الكنيسة، فعلاوة على اختياره لشخصية مميزة عند أهالي الديانة المسيحية، والتي تدور حول الشخصية الكونية لنبي الله عيسى عليه السلام، تفانى السيد غيبسون ماديا من خلال سهره على تمويل عمله الديني من ماله الخاص بحوالي 25 مليون دولار أمريكي، كما عمل على استحضار أجواء مراحل حكم الامبراطورية الرومانية في فلسطين من خلال إصراره على استخدام لغة التخاطب نفسها التي كانت سائدة في ذلك الوقت في إشارة إلى اللغة اللاتينية والآرامية، ربما احتراما منه الحقبة نفسها وعلى حساب اللغة الإنجليزية، لغة السينما بامتياز.
وكأي عمل سينمائي يستلهم التاريخ، وتاريخ الأديان على وجه التحديد، فقد تعرض الفيلم إلى سيل كبير من الانتقادات، صاحبته ومنذ اللحظات المبكرة من تصويره، على اعتبار تناوله لقضية حساسة تقع بطبعها في مفترق طرق بين الديانتين المسيحية واليهودية، ففي الوقت الذي حاول ويحاول فيه غيبسون جاهدا حصر دائرة النقاش في فيلمه في نطاق دائرة العذاب الذي تعرض له السيد المسيح، دون رغبة منه في المضي إلى ما سواه، يذهب البعض الآخر، وبالخصوص من أصحاب الديانة اليهودية إلى قراءة ذكاء غيبسون في الحنكة التي أبان عنها من خلال إتيانه بتخريجة حبل معاناته الشخصية ليجعل منها ذريعته لصب جام غضبه على من يعتقد في قتلهم للسيد المسيح عليه السلام، بل منهم من على الرغم من محاولته الضغط على نفسه بتصديق رواية المعاناة الشخصية لغيبسون، إلا أن خوفه جهة ما تتيحه السينما من إمكانيات تقنية عالية، وبالخصوص أجواء الخلوة والاختلاء بأسر بأكملها، التي توفرها القاعات السينمائية المظلمة والهادئة، تجعل من مساحة العذاب الكبيرة للسيد المسيح داخل الفيلم تزحف بحسبهم لا محالة، فتتسلل لتحتل مساحة مقدرة في لا شعور كل من شاهد ويشاهد الفيلم، ولذلكم
فخطورة الفيلم تكمن، بحسبهم دائما، في جره لبعض النفوس البريئة، وبطريقة فنية هذه المرة، إلى ساحة معاداة اليهود والسامية من غير شعور منه (غيبسون) أو منهم في بعض الأحيان. وعلى الجهة المقابلة، وتحت ارتفاع وتيرة الضغط، وجد غيبسون نفسه مضطرا لأخذ مسافة من إحدى التصريحات التي سبق وأن أدلى بها والده لإحدى الصحف الأمريكية يقلل فيها من شأن الهولوكوست ويصف قرار مجلس الفاتيكان الثاني 1962 ,1965 الذي أعلن انتفاء مسؤولية اليهود في قتل المسيح، بأنها مؤامرة ماسونية وراءها يهود... إنها، وكما يحب أن يؤكد غيبسون، أفكار والده، أما هو فيعتقد في المسؤولية الجماعية لذنوب البشر في قتل السيد المسيح، فلقد مات المسيح بحسبه من أجل الناس جميعا، من أجلنا جميعا وفي جميع الأوقات.
وبعيدا عن سياسة الشد والإرخاء، ما هو مؤكد، وعلى العكس مما قد يعتقده الكثيرون، فقد كشف الفيلم عن مقدار الحضور الديني الكبير داخل المجتمعات الغربية، بل قد يذهب الإنسان بعيدا حد إيمانه بوجود شبه معركة خفية تدور رحاها في الخفاء بين أنصار الديانتين من أجل ربح رهان الحضور والانتشار الأفقي الديني. بفعل قوة النقد للإنتاج الديني لغيبسون وتأكيدا للفرضية نفسها، وجدت القاعات السينمائية نفسها غاصة بالأنصار سواء من هذا الطرف أو ذاك، مما مكن السيد غيبسون، وبسهولة فائقة من إرجاع أمواله وبكيفية غير متوقعة. ومثل الأعمال الإبداعية التي تتناول بطبيعتها قضايا حساسة، فقد أبرز الفيلم من جهة أخرى وجود نوع من التباين في طريقة التعامل مع مسألة الحريات في الإبداع والتعبير، إذ في الوقت الذي تسعف البعض إمكانياته التقنية والمالية فتعطيه إمكانية التحكم والمحاصرة لأي منتوج إعلامي لا يناسب مزاجه، فيلجأ إلى محاصرته من منابعه الأصلية، كما هو حاصل حاليا مع فيلم غيبسون، الذي لولا تفانيه المادي وإصراره من أجل إنجاز عمله الديني لما أمكنه اختراق كل اللوبي اليهودي الذي يحتكر ناصية كبريات الشركات الهوليودية، يجد البعض الآخر
في الانتظارية والتفاعل البعدي البارد أسلوبه المناسب لرد مظالمه!!، ومادام الفيلم قد وفر من الأجواء ما يجعل الكيان الصهيوني حاليا يعيش في شبه حصرة وفي لحظات توتر فنية عصيبة من تاريخه، فإن الظرفية تبدو للكثيرين أكثر من مناسبة، أمام ما يمكن أن يصطلح على تسميته باللوبي العربي الإسلامي في أمريكا والغرب للتحرك بقوة في محاولة منه لتأكيد الحضور ولتسجيل بعض الأهداف المركزة خدمة لأحد أعدل القضايا في العالم في إشارة إلى القضية الفلسطينية.
سعيد الزغوطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.