العزيمة اليقظة هو الاسم الذي أطلقته قوات الاحتلال الأميركية على حملتها على المقاومة العراقية وشكل محاولة لم تخل من نزعة الانتقام لإنهاء هذه المقاومة ولكن بأقل قدر من الخسائر في صفوف الأميركيين وربما المدنيين العراقيين. قبل أيام قليلة أعلن الحاكم الأميركي المدني بول بريمر أن قتل أربعة أميركيين في الفلوجة والتمثيل بجثثهم لن يمر دون عقاب. النتائج الأولية للحملة الأميركية لا تحمل مؤشرات كافية على نجاحها، فقتلى العراقيين خلال ثلاثة أيام جاوزت المائة وهناك بضعة قتلى أميركيين على الأقل، والمقاومة العراقية لا يبدو أنها رضخت أو ضعفت، بل ربما اكتسبت المزيد من المصداقية وكذلك التأييد في صفوف العراقيين. الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور الشيخ حارث الضاري يصف العملية بالإبادة الجماعية والقضاء على كل معالم الحياة في البلاد.الرجل الذي لا يثق في الأممالمتحدة ولا الجامعة العربية يناشد العالم التدخل لإنقاذ ما بقي من معالم الحياة. النداء نفسه تكرر في الفلوجة على لسان الأهالي لكنهم لم يكتفوا بذلك بل واجهوا الاحتلال وردوا على آلياته المدمرة. الأميركيون يؤكدون أن الأيام القادمة ستكون وبالا على أهالي الفلوجة إن لم يسلموا المقاومين. إلا أن شباب المقاومة ومن خلفهم سكان المدينة قبلوا التحدي على ما يبدو. فالمقاومون يحملون أسلحة تظهر لأول مرة، من أين حصلوا عليها؟ لا يهم، "سننغص بها عيشة الاحتلال" هكذا يرد أحدهم. أسلحة (الآر بي جي) والهاون وأسلحة أخرى لا تعرف اسمها -إن كنت قد رأيتها أصلا- تبدو ظاهرة للعيان غير مخفية عن الأنظار، فعهد تخزين الأسلحة قد ولى وأيام استعمالها قد حانت. القوات الأميركية لا تنفي صعوبة الحصار الذي تفرضه على الفلوجة ومنافاته للإنسانية لكنها تؤكد أن الأصعب هو ما ينتظرها من قبل مقاومي المدينة الذين تصفهم بالأشد إرهابا. طوقت القوات الأميركية المدينة من مداخلها العشرة وقامت بهجوم على الدور السكنية التي هدمت الكثير منها في حي الجولان والمنطقة الصناعية حيث تداخلت دماء الشهداء ببقايا الحجارة والإسمنت. المعركة محتدمة بكل المقاييس ومقتضيات العزيمة واليقظة فرضت على الأميركيين البقاء على مداخل المدينة، وعندما حاولوا التسلل واجهتهم المقاومة المستعرة لتنتقل المعركة من الأطراف إلى الشوارع والبيوت. القوات الأميركية تطالب أهالي المدينة بأن يلزموا بيوتهم ويفسحوا لقوات الاحتلال المجال للتجول في الشوارع مع وجوب تسليم الذين مثلوا بالجثث الأميركية وقاموا بسحلها في شوارع الفلوجة وعلقوها على الجسر الحديدي في المدينة. بيد أن الأهالي يرفضون تسليمهم قائلين إن على القوات الأميركية أن تعتقل كل أهالي الفلوجة. شعور المواجهة يتصاعد لدى الأهالي، "رغم استشهاد أكثر من مائة شخص فلن نتراجع... نعيش هنا بعز أو نموت شهداء" هكذا يعلق أحد مواطني الفلوجة على أحداث الليلة الماضية. محافظة الأنبار هبت هي الاخرى تساند الفلوجة، فتحركت هيت والقائم والرمادي مكبدة الأميركيين خسائر في عمليات اعترف الأميركيون فيها بسقوط اثني عشر أميركيا دون تحديد للجرحى والآليات المدمرة. اقتحام مقر القوات الأميركية في الرمادي وقصف موقع البلدية فجر اليوم حسب ما أفاد شهود عيان للجزيرة نت وتدمير آليات عديدة في هيت والقائم، مؤشرات على انفلات لا تستطيع قوات الاحتلال حتى الآن التحكم فيه، وقوات الاحتلال تضطر تحت ضربات المقاومة إلى مغادرة الخالدية والمقاومون يعترضون رتلا متحركا لقوات الاحتلال على الطريق السريع هناك. مقرات قوات الاحتلال في عموم الأنبار تتعرض للقصف والمعلومات عما حدث فيها معدومة لكن الناطقين باسمها الصامتين عما يجري لها اليوم لا يستطيعون تغطية الأدخنة المتصاعدة منها. الانتفاضة امتدت من الفلوجة إلى الأعظمية أيضا، ففي سابقة لم ير مثلها في المقاومة كان رجالها ومن غير حذر يكشفون عن أنفسهم مع أسلحتهم الثقيلة والخفيفة على شكل مجاميع تنتشر بصفة واضحة يقود الجميع قائد يوجه ويأمر. وتمطر مجموعات المقاومة أرتال الأميركيين بوابل من الآربي جي وينسحبون سريعا دون أن يسقط من صفوفهم أحد. ومثل أهالي الفلوجة كان أهل الأعظمية يعرضون على المقاومين الخدمات ماء وطعاما بل تعالت زغاريد النساء مرحبة بالمقاومين، وعرضت بعض الدور الاختباء على المقاومين على الرغم من أن جدارية أميركية تتوسط الحي تعرض مكافأة بألفين وخمسمائة دولار على الأقل لمن يبلغ عمن يسميهم الأميركيون إرهابيين ويعتبرهم الأعظميون مجاهدين. عامر الكبيسي -بغداد