إليكِ كثيرة هي البرامج التي باتت تتوجه للإنسان بالنصائح والتوجيهات، سواء في ما يتعلق بالجانب الأخلاقي، أو الاجتماعي، أو النفسي، أو الديني. وهي في الغالب ما تبتغيى تقديم الأنموذج الذي ترضاه كتجربة مقدمة ضمن التنشئة الاجتماعية. ويبقى السؤال مطروحا: إلى أي حد يستفيد الإنسان من هذه التوجيهات؟ ولماذا لا تنسحب على حياته بشكل ملموس؟ يبدو السبب جليا في كون الإنسان دوما يتلقى ولا يتمثل إلا بصعوبة، كأنه يسمع ولا يعي، لتستمر بذلك مأساة البشرية في التمادي والسير على النهج الأعوج. واسمحي لي أختي أن استعرض وإياك السلسلة المتواضعة التي كانت بين يديك طوال السنة وأزيد، مذكرا إياك بمجمل المواضيع التي لا مست: الجمال في الملبس، الجمال في القول، الجمال في الظن، الجمال في الرؤية، الجمال في المجال، الجلال والجمال، الجمال في التربية، الجمال في الحب، الجمال في الفراش، الجمال في العلاقات، الجمال في الخصام، الجمال في السمت الإسلامي والمظهر اللائق بك، الجمال في التعلق بالله، الجمال في الاستماع.. إلخ وكانت كل المواضيع تحاول تذكيرك ببؤر الجمال الممكنة والواجب رصدها وتمثلها بشكل مبسط، وبطريقة تعتمد التلميح والتصريح أحيانا بغية صناعة الإنسان فيك، ذلك الإنسان المغيب بالقوة بالنظر إلى من أراد لك نموذج الجاهزية النسوانية، وصار ينفخ في كير التضليل والغواية تحت شعار الحرية والمساواة. إن من لم يستمع إلى آيات الله في خلقه، لن يرى الجمال، ولن يرى الآلة العجيبة وهي تصنع الإنسان المنشود، ولن يرى الإعجاز الرباني كيف يحول القلب الغافل المستهلك للدم، إلى قلب نابض بالحياة وصناعة الحياة في المحيط، فحين يستفيق فيك الإنسان الصالح، يحرك لا محالة المحيط، زوجك وأبناءك وأقاربك، فتنخرطين في السلسلة الإنتاجية لبني البشر الإنسان وتكتمل بذلك مهمتك المقدسة، والدور الرباني الذي اضطلعت به وكلفك الله به من فوق سبع سماوات، فالنساء الخالدات خلدن بالعلم، وبالصلاح، وبالنفع، وبالعطاء ورعاية الجنس البشري، قبل المطالبة بالحقوق. كن نساء ينظرن إلى المستقبل، وإلى الهدف والمشروع الجناتي، وعودي الآن أختي وسائلي نفسك بعد هذه المسيرة: هل وعيت ما تلقيت؟ وهل أنجزت بعضا مما تلقيت؟ فقد كثر الكلام وقل الاستيعاب، ولكن الأمل في الله، وفيك بإذنه أن تلملمي قطع هذه الترسانة من الجمالية وتنطلقي بها لصناعة الإنسان المتحرر الباني والصالح، فأنت أكبر من هذا الواقع. وإلى اللقاء في سلسلة أخرى إن شاء الله، وكل عام وأنت صانعة للجمال. إليكَ ها أنا أشرف على نهاية المسير، بعد أن أعياك وخزي وكلامي، ومناداتي، وقد أخاف أن أكون صاحب صيحة في واد، لكن الأمل الذي أراه بعيدا يكفيني لأن أرقب الفتح، وأتذكر دوما ذلك المثل القائل: أن تشعل شمعة خير لك من أن تلعن الظلام. وأنت الرجل في بيتك، القائد للسفينة كيف رأيت المستقبل؟ هل ساورك شك ما في أنك لن تقدر على التغيير المنشود؟ إن هذا الواقع تشكل بقوة، وتلونت مكوناته حتى أصبحت الآن مدمرة، تدفعنا للاستسلام والاكتفاء بالحوقلة والتفرج أو الانخراط في معظم الأحوال. لكنني أذكرك بالمناسبة، بالذين غيروا التاريخ ومساراته، ومنهم الأنبياء والدعاة والمصلحون، لم يكن ذلك إلا بجدهم للإنسان، ولم يكن ذلك بتبنيهم للإنسان، وانطلقوا بذلك لصناعة الإنسان، وبالشكل الباني، لا بالشكل الذي يستنسخ الإنسان. إن دورك في البيت وفي المجتمع، وفي الإنسانية أيها الرجل، أكبر مما تتصور، فإذا كانت القنابل العنقودية تقتل وتدمر المدن والقرى والحضارات، فتبنيك لدور صانع الإنسان يحييء أمما في آن ووقت قصير، فبكلمة صادقة، وبموقف بان، وبنظرة سامية، وبحركة ربانية، وبمسيرة نورانية، تستطيع أن تعيد الأمل لهذه الأمة، وذلك انطلاقا من بيتك الذي إذا صلح صلح المجتمع وقتئذ، ويتحول المجتمع إلى قنبلة عنقودية إصلاحية. تدمر الرذيلة بمنهجية وفعالية، ليعود الرشاد المفقود. إن الدور الرجالي لا الذكوري والدور الإنساني الذي تؤديه بإخلاص وحكمة، دور تنتظره الأمة والبشرية جمعاء، فلا تستغرب لأن إبراهيم عليه السلام كان أمة لوحده. فكن إبراهيما في الغريمة، وكن صلاحا، وكن بلالا، وكن عمارا، وكن ابن خلدون، وكن ابن البيطار، وكن ابن سينا، وكن ابن هذه الأمة التي كانت خير ما أخرج للناس، وفيا لمبادئها، لأهدافها، لمنطلقاتها. وابدأ في صناعة الإنسان في نفسك أولا، ومحيطك ثانيا، معملا آليات الجمال، التي تزين الدور والفعل والقول والحركة والنية، فقد أوتينا أخي من قبل تشويهنا للصورة، وتشويهنا للتلقي، وتشويهنا للفهم، وتشويهنا للأداء، فكان الإنجاز مشوها، يفتقد لأبسط مقومات الجمال الرباني والجلال الإلهي، حتى وصمنا الآخرون بالعمي. إن الجمال أنت، والجمال روحك، والجمال عزيمتك، وصدقك، والعطاء الموعود منك، فاصنع لنا الإنسان الجميل قلبه، والجميل عقله، والجميل عطاؤه، وأنت أقدر على ذلك، وإلى اللقاء في سلسلة أخرى إن شاء الله، وكل عام وأنت مدرسة في صناعة الجمال. ذ.الناجي الأمجد