قال عبد الحكيم شتوي، الباحث في الدراسات الاسلامية (تخصص البيئة والتنمية ) إن إقامة الخلافة وعمارة الأرض مرتبطة ارتباطا وثيقا بصلاح البيئة ورعايتها ولذلك فقد نهى الله تعالى عن الفساد عامة وفساد البيئة خاصة في كثير من النصوص القرآنية والحديثية، من ذلك قوله تعالى: " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، سورة الأعراف 55. وأكد شتوي في هذا الحوار مع " جديد بريس " إن إن موقف الشريعة الإسلامية من الإشكاليات البيئية المعاصرة هو تقريبا نفس التصورات التي تطرحها المنظمات والجهات المسؤولة عن البيئة في العالم كله. غير أن الشريعة الإسلامية لها مرتكزات وأسس في تصورها للبيئة وحل إشكالاتها. 1- كيف تنظرون من زاوية مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية للوضع البيئي في العالم وفي بلدنا المغرب؟ إن موقف الشريعة الإسلامية من الإشكاليات البيئية المعاصرة هو تقريبا نفس التصورات التي تطرحها المنظمات والجهات المسؤولة عن البيئة في العالم كله. غير أن الشريعة الإسلامية لها مرتكزات وأسس في تصورها للبيئة وحل إشكالاتها: أولا: أن إقامة الخلافة وعمارة الأرض مرتبطة ارتباطا وثيقا بصلاح البيئة ورعايتها ولذلك فقد نهى الله تعالى عن الفساد عامة وفساد البيئة خاصة في كثير من النصوص القرآنية والحديثية، من ذلك قوله تعالى: " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، سورة الأعراف 55. ثانيا: أن الإسلام ينظر إلى البيئة على أساس أنها كائن حي يشعر ويحس ولذلك فقد أوصى الحق عز وجل بصيانة حقوق البيئة ورعايتها وحفظها، وهذا لا يتناقض ومبدأ التسخير؛ لأن الإنسان إذا ما حافظ على البيئة يكون بذلك قد حافظ على نفسه وماله وحقق مصالحه ومنافعه. ثالثا: أن سعادة الإنسان وعافيته لن تتحقق إلا بالحفاظ على البيئة ورعايتها كما خلقها الله عز وجل ولذلك فقد ورد النهي في كثير من النصوص عن الضرر والإضرار من ذلك قوله تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "، سورة الروم 40، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لاضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما. والمتأمل في قوله تعالى: "ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"، يجد وكأن الآية تشير إلى المخاطر المحذقة بالبشرية اليوم التي تنطق بها الأرقام التالية: التلوث يقتل 9 ملايين طفل سنويا عبر العالم. أن نقص المياه النظيفة والموارد الصحية الأساسية التي يعاني منها 40 في المائة من سكان العالم تتسبب في خسائر كبيرة للنمو الاقتصادي تصل إلى 556 مليار دولار سنوياً أي ما يعادل 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (منظمة الصحة العالمية). تردي نوعية الهواء يعد أحد الأسباب الرئيسية للوفاة على مستوى العالم حيث يودي بحياة أكثر من سبعة ملايين شخص سنويا، يعيش 90 في المائة منهم في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. تظهر تقديرات تكلفة تلوث الهواء أن الخسائر التي تتكبدها الإنتاجية في الأيدي العاملة العالمية بسبب الوفاة والإعاقة الناجمة عن تلوث الهواء قد تجاوزت 161 مليار دولار عام 2010(البنك الدولي). تستطيع العيش من دون ماء ولا طعام لمدة معينة ولكن لاتسطيع العيش أكثر من بضع ثوان دون هواء. أن الهواء يستطيع أن ينقل التلوث من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر ومن دون سابق إشعار. بينت "القائمة الحمراء" التي يعدها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) أن الأنواع المعرضة للانقراض ارتفعت إلى 22 ألفاً و784 نوعاً في 2015، ما يمثَّل ثلث الحيوانات والنباتات المعروفة، بزيادة 371 نوعاً عن العام 2014، (مجلة البيئة والتنمية اللبنانية). والشريعة الإسلامية لها من الحلول والمقترحات ما يساعد على حل الكثير من الإشكاليات البيئية المعاصرة ويمكن إجمال بعض الحلول في: أولا: الوعي بأهمية البيئة وضرورتها وهذا يتطلب جهدا متكاملا من كل الوسائل والوسائط المهتمة بتشكيل الرأي العام وبناء أنساق الفكر والتفكير لدى الأفراد والمجتمعات من ذلك: -الإعلام بكل أطيافه. -مؤسسات التربية والتعليم. -مؤسسة العلماء بكل وسائلها ومنابرها. ثانيا: سن التشريعات والقوانين، وذلك على مستويين: -مستوى التقنين الصارم بالمحافظة على البيئة وعدم إفسادها. -مستوى تفعيل آليات التنفيذ وهذا أمر تعنى به الحكومات والأجهزة المسؤولة والفاعلة في هذا المجال. ثالثا: الحفظ والتنمية، وهذا يعني الحفاظ على الموجود من الموارد البيئية وتكثيره وتنميته وذلك يكون بعدة أشكال منها: -التشجيع المادي والمعنوي للمؤسسات والمنظمات والجمعيات الجادة في هذ الباب. -تشجيع الدراسات والأبحاث في البيئة وقضاياها على مستوى النشر والتوزيع. -ابتكار الحلول المتطورة والبدائل للحفاظ على الموارد البيئية المهددة بالإنقراض أو النفاد. 2- ما هي السبل الكفيلة بحل الخلافات القائمة بين دول العالم لتفادي اندلاع الحروب بين البلدان المعنية بالأحواض المائية المشتركة؟ بخصوص إشكالية الأمن المائي فإن الشريعة الإسلامية تبوئ الماء مكانة خاصة وتدعو إلى القصد في استعماله والحفاظ عليه، كما أنها تدعو إلى التوزيع العادل لهذه الثروة الأساسية للحياة بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس أواللون… بل إن الحيوان أيضا لايجوز حرمانه من حقه في الماء ومن ثم يمكن القول إن إشكالية الأمن المائي تنبثق من الأهمية الخاصة التي يحظى بها الماء ضمن التصور الإسلامي ويمكن إبراز ذلك من خلال: -أن الماء هو أصل الحياة والضروري لاستمرارها، لقوله تعالى:"وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يومنون"، الأنبياء 31. -أن كل المخلوقات تشترك مع الإنسان في الماء يدل على ذلك الخطاب القرآني عندما جعل الناقة قسيمة لقوم ثمود في أصل الماء قال تعالى: "قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم"، سورة الشعراء 155، والشرب هو: الحظ والنصيب. -أن الشريعة الإسلامية في مجال توزيع المياه بين الناس كان لها الفضل الأكبر في سن كثير من التشريعات البيئية وخاصة في مجال التوزيع بناء على: -مبدأ الارتفاق وهو مبدأ يقوم على حقوق الجار ومعنى ذلك أن الجار له الحق في استعمال ملك جاره دون مقابل مالم يصل إلى حد الإضرار به. -العدل في التوزيع بغض النظر عن الدين والجنس. -توخي المصلحة الإنسانية، وذلك من منطلق أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى البيئة على أساس أنها ملك لجميع البشرية مهما طال الزمن، فكل جيل مطالب بحفظ البيئة للجيل الذي يأتي بعده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لاتقوم حتى يغرسها فليغرسها"، الإمام أحمد وغيره. 3- من خلال استنزاف الموارد المائية في ظل الخصاص الزائد لهذه المادة الحيوية، ما هي توجيهات الشريعة للمستهلك في هذا الاتجاه؟ إن الناظر في تفاصيل الشريعة الإسلامية يدرك تماما التميز والتفرد في نظرة الشريعة الإسلامية للبيئة عموما ولمورد الماء خاصة وذلك يتجلى في التالي: أولا: أن الماء هو أصل الحياة وضروري لاستمرار الحياة مصداقا لقوله تعالى: " وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يومنون"، الأنبياء 31. ثانيا: أن الماء حق لكل الكائنات الحية بما في ذلك الإنسان، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء على هذا الحق. ثالثا: وجوب القصد في الاستهلاك ولو كان في مسألة تعبدية لله عز وجل، وهذا واضح من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ رضي الله عنه لما رآه يتوضأ وقد أسرف شيئا ما، "ما هذا السرف؟ فقال –سعد رضي الله عنه- أفي الوضوء إسراف؟ قال:"نعم ولو كنت على نهر جار"، الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما. يستشف من هذا النص النبوي الرائع ما يأتي: -أنه لايجوز شرعا الإسراف في استهلاك المياه ولو كان في أمر تعبدي، وإنما يستهلك على قدر الحاجة والضرورة، وعليه يمكن أن يكون إسرافك في استهلاك الماء في الوضوء سببا من أسباب عدم قبول طهارتك وصلاتك بل تكون آثما. -أن تبذير المياه إثمه أكبر وأعظم لقول الله تعالى: " ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين"، سورة الإسراء 26. -أن الإسراف في استهلاك المياه ممنوع شرعا وإن كنا نتوفر على كمية كبيرة منه قد يبدو ظاهرا أنها لا تستنفد، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولو كنت على نهر جار". وهذا هو حال البيئة اليوم في الواقع المعاصر.