تمثل صلة الرحم من بين القيم التي تحضر في المجتمع المغربي والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة، في المناسبات الدينية والروحية، والتي يعمل من خلالها الأفراد والجماعات على تبادل الزيارات وتجديد أواصر المحبة والوصال والحرص عليها في هذه المناسبات، مؤكدين تشبثهم بتعاليم الدين الحنيف ومجددين أواصر الارتباط والتلاحم المجتمعي. وقال الداعية والباحث في العلوم الشرعية، عبد الدائم بوعيشي، إن صلة الأرحام من أرقى العبادات التعاملية، مصداقا لقوله تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقاوا الله الذي تساءلون به والأرحام" النساء 1. واعتبر بوعيشي، أن صلة الرحم لها فضائل متعددة ومتنوعة، من أبرزها مساهمتها في إعمار الديار والزيادة في الأعمار والأرزاق، مستدلا على ذلك بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام "من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه"، مؤكدا أن صلة الرحم هي طاعة لله عز وجل وامتثال لقوله عز وجل "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل وهي أيضا من الأعمال التي تسهل دخول الجنة. وافاد الباحث المغربي، في تصريح ل"جديد بريس"، أن صلة الرحم تتخذ أشكالا متعددة، من بينها الزيارة وتفقد الأحوال وتفريج الكرب وتيسير العسير، مبرزا أنها تعمل على إشاعة المحبة والمودة بين أفراد الأسرة والأقارب والجيران، مشددا على أن المناسبات والأعياد الدينية من أهم المحطات التي تكثر فيها الزيارة والصلة بين الأقارب والأحباب. من جهته، قال عبد الخالق بدري، الباحث في العلوم الاجتماعية، إن العلاقات الاجتماعية سواء الفردية منها أو الجماعية تتحدد بقدرتها على احتفاظها بالطابع التراحمي لا التعاقدي، مبينا أن العلاقات الانسانية بشكل عام محكومة ب"التراحم لا بالتعاقد المادي او القانوني الصرف، ومتى كانت القوة التراحمية في العلاقات قوية كلما تماسكت "الجماعة الاجتماعية" بمفهوم علم الاجتماع للجماعة". وأضاف الباحث المغربي، في تصريح ل"جديد بريس" أن الديانات كلها بما فيها الوثنية تحرص على الإعلاء من شأن صلة الرحم وتقويته وعلى رأي المؤسسات المستهدفة لتقوية هذه الصلة مؤسسة الأسرة، وأشار بدري، إلى أن من بين عوامل فشل كل الموجات الإلحادية هو "مسها بمؤسسة الأسرة وقتل الصلة القرابية بين الأسرة النووية والأسرة الكبيرة". وأكد بدري، على مركزية صلة الرحم في بناء أسس أي مجتمع متماسك أو أسرة متماسكة، مبينا أن في عصرنا الحاضر أصبح "المنفلت من عقد وحلقة رحمه منبوذا، بعدما سعت العديد من النظريات للإعلاء به، إلا أنها فشلت وتهاوت أمام فطرية الإنسانية التي ترتكز في روحها على صلة الأرحام والعلاقات القرابية أولا"، مشددا على أن الفرد القاطع للرحم "يُقصى اجتماعيا ويُتخوف منه ويتحرز منه". وأوضح المتحدث، أن التمساك القرابي للرحم يساعد على حل العديد من الإشكالات الاجتماعية والصحية والنفسية والمادية للفرد، إذ "تتدخل العلاقة القرابية لإنقاذ المتساقط من حلقة العنقود"، لافتا أن المناسبات والأعياد الدينية يكون فيها "طقس الزيارة والصلة مركزيا"، حيث يضطر "الأخ أن يقطع المسافات الطوال في الجبال لصلة رحم أخته أو عمه أو أحد أقاربه، بالمقياس المادي مكلفة ولكن بمقياس تماسك المجتمع والحفاظ على اللحمة أغنى وأقوى".