قال فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في حديثه للتجديد إنه قبل أن تقطع يد السارق لابد أن توفر الشغل للعاطل وتعلم الجاهل وتشبع الجائع وتداوي المريض وبعدها يأتي الحديث عن تطبيق الحدود الشرعية. وأضاف أنه إذا ما أصبحت الحكومة تحت قيادة تيار إسلامي فإنه يجب عليها أن تطبق الشريعة وفق اجتهاد جديد يراعي الشروط والضوابط المتعارف والمتفق عليها. وأبان أنه لا يفلح قوم ولوا عليهم طاغية أو ديكتاتورا تعقيبا على بعض الإسلاميين الذين ينظرون إلى ظواهر النصوص بقولهم إنه لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة مؤكدا في هذا السياق أن التحالف بين الأحزاب الإسلامية مع غيرها العلمانية سواء في المعارضة أو الحكم لها سند في القرآن والسنة النبوية الشريفة مستدلا بتحالف الرسول صلى الله عليه وسلم مع قبائل كافرة مثل خزاعة من أجل خدمة الإسلام. وأكد فضيلته أنه يجب على المسلم وخاصة المنخرط في حزب سياسي أو جماعة إسلامية أن يدلي بشهادته ولا يكتمها وألا يتمنع عن التصويت على الأصلح حتى وإن قاطع حزبه الانتخابات وأن يمنع اللاديني والماركسي وغيرهما من الفوز بمنصب نيابي أو غيره ،مشددا على وجوب أن يحترم المختلفان بعضهما البعض في الاجتهادات المتعلقة بالعمل السياسي خاصة الفصائل الإسلامية ... وفيما يلي نص الحديث: فضيلة الدكتور القرضاوي هناك مجموعة من الشوائب ومن المشكلات التي لا تزال تطرح بخصوص العمل السياسي إذ لا يزال هناك من يرى أن الدخول في العمل السياسي يجب أن تتحاشاه الحركة الإسلامية لاعتبارات كثيرة منها : أن اللعبة السياسية دائماً محبوكة، ومنها كذلك أن السياسة ميدان لا أخلاقي ووسخ ولا بد لمن دخله من أن يصاب بوسخه، فما رأيكم في هذا القول؟ بسم الله الرحمن الرحيم، السياسة الشرعية مبنية على ما نسميه فقه الموازنات، يعني النظر في المصالح وتعارضها بعضها مع بعض والمفاسد وتعارضها مع بعضها وتعارض المصالح والمفاسد وفق ما تجنيه الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي والجماعة الإسلامية من مصالح لدخول المعركة السياسية والانتخابات وفق ما تتجنبه من مفاسد، وموازنة هذا بعضه البعض يكون القضاء لهذه القضية. وهذه القضية تختلف فيها وجهات النظر، بعض الناس يقول سنحقق مكاسب كبيرة منها إمكانية التأثير في البرلمان وإسماع صوتنا للآخرين بالإضافة إلى أنه يمكننا أن نخفف عن الإسلاميين بحيث يمكن أن نقوي تيار الحرية للعمل الإسلامي ونستطيع أن نقطع الطريق على اللا دينيين والعلمانيين والماركسيين... إذا هناك اعتبارات وقضايا مصلحية قابلة للبحث والنقاش وللخلاف أيضاً، وهذا ما جعل فقه السياسة الشرعية من أوسع ألوان الفقه لأنه مبني على النظر المصلحي والنظر في فقه الموازنات وفقه الأولويات فلا عجب أن يختلف الإسلاميون في هذه القضية. ولكن إذا اختلفنا في هذه القضية فيجب أن يسع بعضنا بعضاً في هذه القضية لأنها قابلة للاختلاف، وإن كان هناك من يرى أن دخول هذه الأشياء ضد العقيدة فبعض الإخوة السلفيين في وقت من الأوقات في مصر وفي الكويت كتبوا رسائل من مثل "القول السديد في أن دخول المجلس النيابي ينافي التوحيد" ثم بعد ذلك السلفيون أنفسهم في الكويت رأوا أن دخول المعترك الانتخابي والسياسي فيه مصلحة لهم ودخلوه وأصبح لهم منذ سنوات منذ أكثر من دورة أعضاء في مجلس النواب ، فهذا أمر يمكن أن يتغير فيه الاجتهاد من فترة إلى أخرى. هناك مثلاً فصائل تشارك وأخرى لا، إذا ما ترشح مثلاً شخص من المشاركين من تيار ثاني في دائرة وفي هذه الدائرة هناك أعضاء من الجماعات المقاطعة للانتخابات فهل يجب أن يقاطعوا أم يصوتوا؟ أنا في رأي أن الانتخاب أو التصويت شهادة ينبغي للإنسان أن يدلي بها، ولذلك أنا أرى أنه لا يجوز الامتناع عن التصويت ( ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا ) ( وأقيموا الشهادة لله )، ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى )، فأنت تشهد أن هذا الشخص هو أصلح المرشحين لتمثيل هذه الدائرة ، فإذا قلت عن العلماني أو اللا ديني أو الماركسي هو أصلح من الإسلامي فهذه شهادة زور، وهي من كبائر الإثم والحديث عد شهادة الزور من الشراك بالله تعالي و الله عز وجل يقول ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)، والشهادة المطلوبة والعادلة أن الإنسان يقول هذا هو أصلح الناس. حتى ولو أمرت جماعة أو حزب أعضاءه بمقاطعة الانتخابات ؟ حتى وإن قاطعت أنا الانتخابات ، أنا أقاطع الانتخابات وأرى أن هذا الشخص أولى من الشخص الماركسي أو الشخص اللا ديني أو الشخص المتحلل الذي يشرب الخمر ويرتكب الموبقات، فكيف نفضل هذا على هذا. هل يمكن للأحزاب السياسية الإسلامية أن تقوم بتحالفات مع الأحزاب العلمانية سواء كانت في الحكومة أو في المعارضة ؟ هذا أيضاً يخضع لفقه الموازنات، أحياناً يمكن أن تتفق مع فئة ضد فئة أشد منها ضرراً أو أشد منها خطراً أو أشد منها كفراً، لهذا رأينا تحالف المسلمين مع خزاعة وهي مشركة ولم يجدوا في هذا إلا الخير، فالتحالف يمكن حتى مع غير المسلمين لهذا احتفل القرآن الكريم في سورة الروم بالحرب بين الفرس والروم وكان المشركون يعتبرون أن انتصار الفرس شيء يفرحون به على عكس المسلمين، ونزل القرآن يقول : ( وغلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) بانتصار الروم وهم أهل الكتاب ونصارى على الفرس وهم يعبدون النار وهؤلاء في نظر الإسلام كفار ولكن هناك كفر أكبر من كفر، إذا يمكن أن تفضل بعض الأحزاب على بعضها وتحالف بعض الأحزاب ضد بعض. وفي أيام الأستاذ أبو الأعلى المودودي رأت الجماعة الإسلامية أن تدعم فضلة جناح ضد أيوب خان هذا كان خلافا لبعض الإسلاميين الذين ينظرون إلى الظواهر ويرددون لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وهذا الصحيح ولكن هل يفلح قوم ولوا أمرهم ديكتاتوراً أو طاغية؟!، وقالت الجماعة الإسلامية إنها تستطيع أن المرأة هذه أقرب من غيرها إذ يمكن أن نؤثر عليها ولا نستطيع أن نؤثر على الطاغية المتجبر، كل هذا يقوم على فقه السياسة الشرعية المبني على فقه الموازنات. فضيلة الشيخ دائماً عندما يحصل الإسلاميون على مقاعد في البرلمان تثار مسألة مسألة تطبيق الحدود الشرعية المعروفة فهل في ظروفنا الحالية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها يجب تطبيق هذه الحدود الشرعية ؟ هم ليسوا حكاماً أولا، فالبرلمان ليس حاكماً وإنما يشرع القوانين ويقترحها ويراقب عمل الحكومة. أما إذا أصبحت الحكومة تحت قيادة تيار إسلامي فيجب على هذه الحكومة أن تطبق الشريعة وفق اجتهاد جديد يراعي الشروط والضوابط المتعارف عليها، ثم قبل أن تقطع يد السارق لابد أن توفر الشغل للعاطل وتعلم الجاهل وتشبع الجائع وتداوي المريض . الدوحة - عبد الحكيم أحمين