قرأت أن مواطنا أمريكيا طلق مواطنة من سنغافورة، وأن المحكمة حكمت لصالح المواطنة السنغافورية بتعويض قدره 30 مليون دولار لكن شريطة أن ترد لطليقها ببغاء كان قد أهداه إليها، وتماطلت السنغافورية في رد الببغاء، بينما أصر الأمريكي على استرداد ببغائه لأنه هو الذي دربه وعلمه الكلام. وعند قراءتي لهذا الخبر استبشرت خيرا وتفاءلت، واقتنعت أن المستقبل لنا نحن العرب، ومن استبشاري وتفاؤلي تواردت على خاطري مجموعة من الأفكار والمشاريع نستطيع بها أن نمرغ أنف الأمريكيين في التراب فيما سيأتي من الزمان. وكنت لا أود أن أطرح هذه الأفكار على المسؤولين حتى أقوم بتحفيظها لأضمن حقي، لأن لا شيء بدون ثمن كما علمتنا المقاولات السياسية. لكن بقية من الإيمان بمبادئ العروبة والوطنية... جعلتني أضحي وأعرض أفكاري دون مقابل. وتتمحور الفكرة حول قيام الدول العربية أو بعض الأنظمة العربية التي ارتبطت بعقد زواج سياسي مع أمريكا برفع دعوى طلاق على هذه الأخيرة وتطالبها بتعويض يقسم ظهرها، فإذا كانت مواطنة سنغافورية قد أخذت من مواطن أمريكي 30 مليون دولار، فتخيلوا ضخامة المبلغ الذي ستحكم به محكمة العدل الدولية في لاهاي لصالح الأنظمة العربية. إلا أني وأنا أحسب الملايير التي ستجنيها الأمة العربية بفضل عبقريتي تبادرت إلى ذهني حقيقة نغصت علي فرحتي، فالعرب سيرفضون تقمص دور الأنثى وستأخذهم العنجهية والنخوة وسيدعون بأنهم وإن كانوا متزوجين بأمريكا فهم الذكر وأمريكا هي الأنثى، وتخيلوا كم من النكت ستقال في الموضوع، وكم من القصائد العمودية والأفقية التي ستجود بها قريحة شعرائنا تتغنى بالفحولة العربية، وأمريكا لأنها دولة انتهازية ولا تؤمن إلا بالمبادرات، بعكسنا نحن الذين نفضل المثاليات كل هذا سينقلب علينا، وبدل أن تعطينا أمريكا التعويض سيقع العكس، وهكذا وجدت أن هذه الفكرة لن تجر على أمتنا العربية سوى المزيد من الخسائر المادية فقررت التخلي عنها. وسبب آخر كان وراء اقتناعي بحتمية التخلي عن هذه الفكرة، فلنفترض أن الأنظمة العربية قبلت دور الأنثى تحت إلحاح المثقفين والمفكرين والتقدميين وتغليبا للمصلحة العليا للأمة، وحكم لها بالتعويض، لكن أمريكا قد تطالبنا باسترداد ببغاواتها الذين علمتهم الكلام، وعندها ستقع الكارثة على الأمة العربية، فكم من جريدة ستقفل أبوابها لأنها لن تجد ببغاء يردد الكلام الذي علمته أمريكا على صفحاتها وكم من قناة إذاعية وتلفزيونية سيتوقف بثها. ولما ألهمني الله إدراك ما كانت ستجلبه فكرتي الأولي من مصائب على أمتنا، ألهمني أيضا فكرة أخرى تخصنا نحن المغاربة، فلا ضرورة تدفعني لأن أفكر لكل العرب، فليفكروا لأنفسهم، ويكفينا نحن التفكير في مصالحنا وحاجياتنا. والفكرة الثانية هي: بدل أن تقوم وزارة السياحة بتشجيع السياحة الجنسية وتتعرض للقيل والقال من طرف بعض "الرجعيين الظلاميين" الذين يملؤون الدنيا بالكلام عن الشرف المغربي والنخوة المغربية والهوية العربية الإسلامية... ويشككون في نزاهة المسؤولين عن هذا القطاع الذين لا يريدون سوى الخير للدولة وجلب العملة الصعبة، بدل كل وجع الرأس هذا أقترح على وزارة السياحة أن تختار كل سنة 100 فتاة جميلة عن طريق تنظيم مسابقة للجمال، ثم تقوم بتربيتهن على الوطنية وحب البلد والتفاني في خدمة الصالح العام، وبعدما تزرع فيهن هذه المبادئ والخصال الحميدة، تبحث لهن عن أزواج أمريكيين يكونون أثرياء، وبعد مضي فترة على هذا الزواج يملأن حياتهم بالهم والغم والنكد حتى يطلقونهن، وتحكم لهم المحكمة بتعويض مغري، فتخيلوا 30 مليون دولار في 100، إنه ثمن يوازي الثمن الذي بيعت به اتصالات المغرب، ونحن سنكرر العملية كل سنة حتى 2010، وبذلك سنضمن دخلا سنويا بملايير الدولارات، وفائدة أخرى سنجنيها من وراء هذا العمل وهو أن مسابقات الجمال في المغرب سيصبح لها بعد وطني. ولن يجرؤ أي رجعي أو ظلامي بأن يتهم الدولة بأنها تنظم مسابقات للنخاسة. لكن مشكلا بسيطا يعتري العملية برمتها، وهو كيف سنتجاوز حكما شرعيا يمنع زواج المسلمة بغير المسلم؟ والدعوة موجهة إلى المجددين الجدد للإسلام لكي يحاولوا إيجاد تأويل لهذا الحكم، ولن يتهمهم أحد بأن في قلوبهم زيغ لأن المصلحة العليا للبلاد تقتضي ذلك. كما أن الدعوة موجهة لجمعية ربيع المساواة لتدخل هذا البند في لائحة مطالبها التي تخص إصلاح مدونة الأحوال الشخصية! سعيد الحرش روائي وسيناريست