كفانا سكوتا عما يحدث على رغم محاولات التعتيم المطبق على وضعية الدكتور المنصف بن سالم , إلا أن إمكانية التواصل مع الدكتور مباشرة أو بوسائط عدة لاتزال قائمة بحمدالله تعالى , مما يتيح للرأي العام الإطلاع على آخر " بركات " الظلم المسلط عليه منذ أكثر من 15 عاما . مما يدعو كل ضمير حي من منظمات و جمعيات و شخصيات علمية على المستويين الوطني و الدولي بالتحرك السريع لإنقاذ عالم قلَّ أن جادت به بلادنا في هذه المرحلة و في إختصاصه العلمي . و إيمانا منا بعدالة قضيته نقدم للرأي العام بعضا من رسائل الدكتور لتصور الحالة التي يمر بها و مجرى حياته اليومية . رسالة 1 يوم الجمعة الموافق ل 27 / 9 / 2002 خاطبت الدكتور الصحبي العمري من هاتف عمومي , لأن ديمقراطية تونس النموذجية أبت إلا منعنا من طرق التواصل المختلفة من مثل الهاتف و المراسلات البريدية و غيرها . أجابني الدكتور الصحبي بأنه قادم إلى صفاقس و أنه ينوي زيارتي ولو لبعض الوقت . و بعد سويعات قليلة من هذه المكالمة بدأ قدوم زوار من نوع غير المرغوب فيهم ليتمترسوا قرب بيتي و تذكيري بما كانت عليه وضعيتي بعد خروجي إلى السجن الكبير ( 1993-2001 ) . انتصب العونان كالعادة في سقيفة الجامع قبالة بيتي يرصدون كل حركة تدب في البيت و كل فتح أو إغلاق لباب أ و شباك .. خرجت من البيت فلحقت بي سيارتهم كعادتهم , دخلت غرفة الهاتف العمومي فدخل أحد الأعوان الغرفة المجاورة للتنصت على ما أقول . طلبت من زائري أن يقفل راجعا بعد ما شارف على الوصول إلى مدينة صفاقس و قلت له إن الأرض ملغمة كالعادة و لا سبيل للتصادم معهم , فهم ممن فقدوا الإحساس و الرحمة بالرعية . بعد العصر صحبت عائلتي و توجهت إلى مسقط رأسي بالريف في منطقة " بئر صالح "( 55 ميلا شمال صفاقس ) فتبعتني سيارة أمن دولة إزعاج المواطن , دخلت غابة الزياتين فدخلت معي إلى باب منزلي حيث وجدت في انتظاري و كالعادة أيضا عينا ساهرة ممن عُِرفوا بالنوم فوق أغصان الأشجار المحيطة ببيتي لمراقبتي و إخبار البوليس عما تلاحظه أعينهم أو تصنعه مخيلاتهم الكاذبة للتقرب من آلهتهم الضعيفة . من خلفي سيارة أمن الدولة و من أمامي " قوادة " الدولة , و ما في نفسي .. عداء للدولة الظالمة المستخفة بعقولنا و الطامسة لحقوقنا و المصادرة لحريتنا . هذا الإختناق المتواصل و لِما يزيد عن 15 عاما .. متى سينتهي , و متى تهب نسمة هواء لنتنفس الصعداء مع عِيالنا و أحبابنا . و ما عساه أن يحدث لو زارني صديقي الدكتور العمري , هل إن ذلك سيسقط الحكومة أم سيُحدث بلبلة في الشارع العام أم سيزعزع أركان الدولة . لا شيء من ذلك , و لكن تصغر في عين الكبير الكبائر و تكبر في عين الصغير الصغائر . إذا أُعلنت حلة الطوارىء أمام المسجد قُبالة بيتي و ذلك من أجل منع مواطن ملاقاة مواطن . وهذا مؤشر واضح على هوس و خوف و ضعف السلطة و النظام و ذلك ديدن الظالمين في مراحل التاريخ . فبينما العالم يُلغي المسافاة بين بعضه البعض لازال النظام التونسي يتوهم بأن يُغلق على الشعب أسوار من حديد ليمعن في قمعه له, بعيدا عن أسماع و أنظار العالم و هو ما لم يعد متاح للنظام التونسي في هذه المرحلة من تاريخ البشرية . فإتباع سياسة القتل البطيء و تكميم الأفواه هو ما بقي للنظام و هو ما سيرتد عليه لامحالة. و هيهات هيهات منا الذلة . رسالة 2- قيل قديما : كل إناء بما فيه يرشح , و إذا كان الإناء فيه جهل و تخلف فهو يرشح بالجهل و التخلف و ذلك بمحاربة العلم و المعرفة و التصدي لكل سبيل يؤدي إلى ذلك . عندما كنت سجينا في " قولاق " تونس المسمى 9 افريل و بحكم معاناتي من مرض الكلى نتيجة المعاملة المتألقة في القهر كديمقراطية تونس النموذجية . فقد رخص لي الطبيب في شراء علبة ماء معدني يوميا , و تطبيقا لتعليمات السلط العليا , كانت إدارة السجن تزيل القرطاس الحامل لعلامة شركة المياه حتى لا تكون أداة كتابة و تثقيف . فالتعليمات كانت صارمة : منعي من الكتابة و القراءة منعا باتا و حتى رفاقي من سجناء الحق العام حُرموا من القلم و القرطاس طالما كنت معهم . الآن و بعد إطلاق سراحي من سجن صغير إلى آخر أكبر و أقسى , فالممارسة ذاتها متواصلة و إن اتخذت أشكالا مغايرة . إذ لم تكتف السلطة بتجفيف كل ينابيع العيش للعائلة- و المال قوام الأعمال- بما في ذلك الأعمال العلمية و الثقافية , بل عمدت إلى عزلي عن كل ميادين العلم و الثقافة و منع إتصالي بأي مثقف . تتظاهر السلطة بتوقيف المراقبة اللصيقة بعدما يزيد عن 9 سنوات و لكن في الواقع المراقبة مستمرة حتى هذا اليوم : دراجة نارية و عليها بوليس في سقيفة المسجد قُبالة بيتي , سيارة و فيها عونان في ركن النهج , سيارة أخرى في الطريق خارج الحي و يربط بين هؤلاء الهاتف اللاسلكي . خرجت من المدينة و توجهت إلى الريف فتبعتني سيارة و وجدت عونا آخر عند مركز بوليس قبل و صولي ليسجل وقت مروري . كما تحركت سيارة الحرس الوطني و شارك فيلق" القوادة" في الحملة الوسخة الأسبوع الماضي، ووقع ما يشبه هذا بسبب عزم الدكتور الصحبي العمري على زيارتي و هذه المرة بسبب زيارة محامي الأستاذ المعطر، الذي وصل بعد الغروب و كان هو أيضا مصحوبا بسيارة رينو 19 و على متنها 4 أعوان بوليس، فأصبح المشهد يبعث على السخرية من السلطة التي تدعي أنها تحكم ب 99 بالمائة و أن الشعب معها و الأمن مستتب لها و بها . خرج أطفال الريف و نساؤه و رجاله ليشاهدوا عضلات النظام العتيد : مجموعة من أعوان البوليس مجموعة من السيارات الإدارية، مجموعة من القوادة وطبعا مجموعة من فواتير تُخصم من أموال المجموعة الوطنية، وكل ذلك لترصد مواطن أعزل من السلاح ومن الهاتف ومن المال ومن حريته الشخصية. فرغم الرذاذ والظلام فقد دفع الفضول الناس إلى الخروج من بيوتهم و مشاهدة الهستيريا الحكومية و الممارسات المتخلفة ضد شخص يعرفه الناس منذ نعومة أظفاره، فكيف تنطلي عليهم دعاية السلطة و أكاذيبها فيه ؟ أقول إلى الجالسين في أبراج الحكم : إذا كنتم على يقين بأنكم على حق، أتركوا سبيلنا وسيحسم بيننا الشعب الذي صوت لكم بنسبة 99,99 و ستكون لكم الغلبة دون كلفة و تعب، و عندها نبرق لكم لنهنئكم بالإنتصار العظيم ولربما نقتنع بأفكاركم فنناصركم . أما و الحالة غير ذلك فوالله أنكم على باطل و أنتم أعلم الناس بذلك، ولذلك قررت أن أفضح ممارساتكم المتخلفة و أن أحطم التعتيم الذي فرضتموه حتى يجف أحد الثلاثة : الدم في عروقي أو الدم في عروق سلطتكم أو الحبر من الأرض . الدكتور المنصف بن سالم