8 في مواجهة الفساد الانتخابي والخروقات رغم التزام أعلى سلطة في البلاد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في المغرب إلا أن مخاوفنا مثل مخاوف المواطنين من استمرار الخروقات وعوامل الإفساد والفساد الانتخابيين ظلت قائمة، ذلك أنه لفرط ما تغلغل ذلك الفساد والافساد في الثقافة الانتخابية لبعض "الفاعلين" في الساحة الانتخابية أصبح من الصعب على المواطنين تصديق إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في المغرب. وبالنسبة لنا نحن الذين اكتوينا بلظى التزوير والفساد والافساد الانتخابيين في انتخابات 7991 كان من الصعب علينا أن نصدق التطمينات والالتزامات التي صدرت في هذا الباب من السيد والي الجهة وعامل الإقليم في الاجتماع الذي عقد مع المرشحين قبل انطلاق الحملة الانتخابية وكذلك في بعض اللقاءات التي جمعتنا مع بعض قواد المقاطعات وبعضهم كانت له جولات وصولات في التواطؤ مع "مرشحين" محترفين في الإفساد الانتخابي. وكان مما يزيد في تعميق هواجسنا هو أن الفساد والافساد الانتخابيين قد أصبحا ثقافة مترسخة في سلوك بعض المتطفلين على العمل السياسي، وكذا الشأن بالنسبة لبعض أعوان السلطة من مخلفات العهد البائد وكما هو معلوم فإن "الجانب الثقافي" من شخصية الإنسان هو من أشد الجوانب استعصاء على التغيير، وقد لاتجدي فيه فقط التعليمات أو القرارات السياسية مهما كان مصدرها، بل إنه حتى مع وجود إرادة سياسية صادقة لتجاوز السلوكات السابقة والالتزام بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، فإنه لفرط ما صدرت وعود شبيهة بذلك في ما مضى من الانتخابات، فإن المعنيين أنفسهم بملازمة الحياد قد لا يأخذون الوعود الجديدة مأخذ الجد. ومنذ بداية الاستعداد للحملة الانتخابية ومع انطلاقها كانت تصلنا عشرات الأخبار عن أشكال متعددة من محاولات الافساد الانتخابي، وكان المواطنون يتداولون أن هذا المرشح قد اتصل بالقبيلة الفلانية ونظم مأدبة لفائدتها ووعد بحفر بئر أو شق قناة أو تعبيد طريق، وأن المرشح الفلاني قد تكفل بعلف ماشية القبائل الفلانية. وكانت أخبار الصراع المحموم بين بعض مرشحي الفساد الانتخابي والتسابق من أجل كسب تأييد هذه القبيلة أو الجماعة أو تلك تزكم الأنوف. كما كانت تصلنا أخبار من مصادرنا الحزبية ومن مناضلينا عن تعاون هذا المستشار أو ذاك مع المرشح الفلاني أو الفلاني مقابل مبلغ مالي أخذ المستفيد منه مقدما وينتظر مؤخرا وتأكد ذلك لدينا بالملموس من خلال ضبط مناضلينا لنقط سوداء لتوزيع المال الحرام خلال يوم التصويت قمنا بالتبليغ عنها أو محاصرتها بتعاون مع مناضلين لأحزاب أخرى. على أنه ينبغي الاعتراف أن التصويت باللائحة واستخدام الورقة الفريدة قد قلل من تأثير المال على نتائج الانتخابات ومن المؤكد الآن أنه في بعض الجماعات قد حدث تسرب للورقة الفريدة واستخدمت طريقة "الدور" في الافساد حيث يكفي أن يتم الحصول على ورقة فريدة فارغة كي تعبأ بالطريقة التي يريدها أرباب الإفساد الانتخابي أي بوضع علامتين على الرمز الانتخابي للحزب الذي ينتمي إليه المستفيد من العملية. وقد أكد مناضلونها حدوث هذه العملية في جماعة فم أودي واعترف مواطنون لمناضلينا بذلك لكنهم تخوفوا من الادلاء بشهاداتهم في الموضوع. وقد تأكد لدينا ذلك بالملموس من خلال الاطلاع على نتائج المحاضر حيث وقفنا على نتائج عجيبة غريبة من خلال المحاضر، إذ أنه بين مكتبين داخل نفس مركز تصويت واحد كان مرشح الافساد الانتخابي رقم 1 مثلا يحصل على نتيجة كاسحة بينما نجد أنه في المكتب المجاوز لا يحصل إلا على بضعة أصوات أي حين كان مرشح الافساد الانتخابي رقم 2 يحصل في المكتب الثاني على نتائج كاسحة بينما لا يحصل في المكتب المجاور إلا على بضعة أصوات. ومن المؤكد لدينا الآن أن مجموعة من أعوان السلطة ضالعون في هذه العملية بالذات وضالعون أيضا في عدة خروقات انتخابية، حيث كان بعض الشيوخ في دائرة سيدي عيسى مثلا وفي الخلفية يقومون بدعاية مضادة لحزب العدالة والتنمية ويصدون الناس عن الاستماع لمناضلينا ولمرشح لائحتنا، ويخوفون المواطنين من حزبنا، وقد وقفت شخصيا على تواطؤ واحد منهم مع حزب من الأحزاب المنافسة لنا في محاولة لاجهاض مهرجان خطابي نظمناه في أولاد عبد الله بدائرة الخلفية حيث سعى الحزب المذكور إلى احتلال الساحة التي خصصتها السلطة لنا بعد أن قمنا بالاجراءات القانونية اللازمة وتوصلنا بالموافقة المكتوبة لقائد المنطقة، لكننا فوجئنا بعون السلطة يدافع عن أطروحة الحزب المذكور ويدعي أنه قد أودع طلبا هو الآخر فكان تواطؤه مكشوفا أمام جمع غفير من المواطنين. كانت تعاملنا مع الخروقات المذكورة هو إيداع شكايات لدى وكيل الملك، غير أنه اتضح لنا بعد شكايتين أو ثلاث أننا ربما قد ندخل في دوامة لا تنتهي خاصة حينما يكون الخرق الانتخابي قد حدث في الدائرة القضائية التي تقع تحت تراب الدائرة الانتخابية لفقيه بني صالح سوق السبت، ففي هذه الحالة يكون على وكيل اللائحة أن ينتقل شخصيا إلى مدينة الفقيه بن صالح لايداع الشكاية الانتخابية ولا ينتهي الأمر هنا إذ يكون عليه أن ينتقل لدى مصالح الدرك الملكي أو الشرطة القضائية من أجل تحرير محضر للاستماع، وهو ما يعني أنه بدل أن يتجه المرشح إلى الحملة الانتخابية في دائرة مترامية الأطراف فلربما قضى أغلب وقته في تحرير الشكايات الانتخابية وتتبع إجراءاتها الإدارية البيروقراطية. لم يكن هاجس التزوير والخوف من عوامل الافساد والفساد الانتخابي حاضرا عندنا بل كان كثير من المواطنين العاديين يحذروننا ويطلبون منا أن نأخذ الاحتياطات اللازمة وخاصة خلال يوم التصويت ويؤكدون علينا في اختيار ممثلي المرشح في مكاتب التصويت والفرز والاحصاء بعناية. وعموما فإنه رغم الضمانات والتطمينات فإن خوض غمار الحملة الانتخابية في الانتخابات المغربية يبقى محفوفا بمشاعر التوتر والتوجس والشك وهو ما يستهلك من المرشحين ومن المواطنين وقتا كبيرا وجهدا فكريا ونفسيا كان من الأولى أن يتوجه إلى النقاش السياسي وإلى الحملة الانتخابية ومستلزماتها التنظيمية والحركية وإلى شرح البرنامج السياسي للحزب. ويستمر هذا التوتر والترقب قائما حتى عند اللحظات الأخيرة إذ رغم التقدم الساحق الذي كان لنا على المنافسين فإننا لم نكن مطمئنين بعد خاصة وأننا لم نتوصل بعد في صباح يوم السبت الموالي ليوم التصويت بنتائج كل مكاتب التصويت الفرعية والرئيسية وحتى عند توصلنا بها كاملة وتأكدنا مع حصولنا على المقعد بقي هنا، نوع من التوجس والترقب ما لم تعلن لجنة الاحصاء الإقليمي النتيجة النهائية، ونتسلم المحضر النهائي بذلك. وقد نحتاج إلى تجربة انتخابية أخرى أكثر نزاهة وشفافية أو إلى تجربتين قبل أن تزول نهائيا مثل هذه الهواجس والمخاوف، وقبل أن تمضي إلى غير رجعة ثقافة الفساد والافساد الانتخابيين التي لاتزال حاضرة عند بعض المرشحين وعند بعض أعوان السلطة. محمد يتيم