إما ترك الربا وإما الحرب من الله ورسوله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا" البقرة 277 "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مومنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله ، و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون" البقرة 277 الآية الكريمة تعلق إيمان الذين آمنوا على ترك ما بقي من الربا ، و ذلك في قوله تعالى:" إن كنتم مؤمنين" . فالدليل على دعوى الإيمان هو ترك ما بقي من الربا. و الإيمان ما لم يترجم إلى مواقف و أعمال فلا قيمة له. فإنه لا إيمان بغير طاعة وانقياد و اتباع لما أمر الله به و رسوله:" إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم ، أن يقولوا سمعنا و أطعنا ، و أولئك هم المفلحون" النور 49، وقوله تعالى:"و ما كان لمومن و لا مومنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا" الأحزاب 36. و تعليق الأمر في القرآن الكريم بنحو قوله تعالى : "إن كنتم مؤمنين" ، ارتبط غالبا بالأمور الكبيرة التي لا يجوز أن تمس ، فقال تعالى:" قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مومنين " البقرة 90. ولا يتصور إجتماع الإيمان مع قتل أنبياء الله . و قال تعالى: " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مومنين" آل عمران175 .والمرء بين تخويف الله وتخويف الشيطان، وهل يخاف المومن غير الله تعالى؟ و قال تعالى في آية أخرى : "و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مومنين" آل عمران 139.أي لا تضعفوا و لا تحزنوا الحزن المقرون باليأس ، و كان ذلك عقب غزوة أحد، لأن هذا الحزن و ذاك اليأس لا يتصور مع الإيمان. و عليه فتعليق أمر الانتهاء من الربا بالإيمان له دلالته الكبيرة التي لا ينبغي أن نغفلها . فكل من يتجرأ على الربا عليه أن يراجع إيمانه. جرأة على الربا وتعطيل للزكاة ثم يأتي قوله تعالى: "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله" و هذه أشد حرب من الله و رسوله ، حرب تواجهها النفس البشرية الضعيفة.على أن الإيذان بالحرب من الله و رسوله أعم من القتال بالسيف و المدفع و نحو ذلك، فهذه الحرب معلنة كما قال عز و جل على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي و الاجتماعي. هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة على الأعصاب و القلوب ، على البركة و الرخاء ، على السعادة و الطمأنينة. إن هذا الوعيد الشديد للمومنين المخالفين لأمر الله هو الذي يشعر بحجم الجرم . و لكنه يقع من كثير منا كما يقع أكثر القرآن لا نلتفت إليه ، ولا يهزنا هزا ، و لا تأخذنا رهبة منه و لا من غيره من صور الوعيد الواردة في القرآن الكريم ، مع أننا سمعنا مرات ومرات "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله "الحشر 21.و عليه فمن لا ترده هذه الآية لا يستطيع أحد رده أو إقناعه. إنه أمام كل آية تتلى لا بد من أحد الموقفين : إما موقف اللاهيين العابثين الذين قال تعالى عنهم: "و إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كان في أذنه وقرا فبشره بعذاب أليم."لقمان 6. و إما موقف المؤمنين الخاشعين المتضرعين الذين قال تعالى عنهم: "و إذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا"القصص 53. و لئن كان التوعد بالحرب هو من أشد ما جاء في الربا فلقد جاءت في نفس المعنى آيات أخرى كلها وعيد: فقال تعالى:" يمحق الله الربا و يربي الصدقات" البقرة 275 .إن الله يمحق الربا فلا يفيض على المجتمع الذي يوجد فيه هذا الدنس إلا القحط و الشقاء ، و حتى ما يظهر لأول وهلة من غزارة الموارد سرعان ما يتأكد أنها موارد منزوعة البركة ،فسروا أيها الناس قوله تعالى: يمحق الله الربا" بما شئتم، فلن تجدوا لها معنى إيجابيا تحملونها عليه غير معاني الانتقام و الغضب و السخط من الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض و لا في السماء. و قال تعالى: "و ما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله ، و ما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون" الروم 38.إن جرأة الناس على تعاطي الربا قابلها في واقعنا جرأة على تعطيل الزكاة ،و المطلوب هو العكس تماما.و يستحيل أن تشيع الزكاة في مجتمع يقوم على الربا ، لأن الربا يعلم الإنسان الشح و البخل و استغلال حاجات الناس لمضاعفة أموالهم و الزكاة عكس ذلك كله. التوبة تمحو ظلم الربا والبديل موجود و قال تعالى:"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" البقرة 274 و هذا من عذاب الآخرة.و ذلك أن الناس إذا بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين إلى المحشر كما قال تعالى:"يوم يخرجون من الأجداث سراعا" المعارج 43، إلا آكل الربا فإنه يقوم و يسقط كحالة المصروع عقوبة و فضيحة له. وقوله تعالى :"و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون".هذا هو الباب الوحيد المفتوح أمام كل المرابين باب التوبة فكل كسب عن طريق الربا يسميه الإسلام ظلما و نسميه ظلما و لو سماه الناس ربحا أو فضلا أو فائدة ."لا تظلمون و لا تظلمون " هي العبارة نفسها التي أعادها صلى الله عليه و سلم على الناس في خطبته في حجة الوداع حيث يقول صلى الله عليه و سلم : "ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"أخرجه الترمذي وغيره. و ما أسعد البشرية حين يرتفع فيها هذا النداء مرة أخرى و هي تغرق في حربها مع الله بأكلها للربا، بأن يذاع فيها:ألا إن كل ربا موضوع، أي متروك و ملغي، "لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون". ورغم كل ماسبق فإننا في حالات كثيرة نحتاج إلى بدائل حية تقطع الطريق على كل أفاك أثيم و تقدم الجواب الناصع و الحجة القوية العملية،و هذا الذي حصل في موضوع الربا. فالأمر و لله الحمد تجاوز موضوع النقاش العلمي، و وجدت أبناك إسلامية لا ربوية تنافس الأبناك التقليدية. و من أبرز معالمها أنها أبناك تحت الرقابة الشرعية تعرض المعاملات فيها على هيئة الرقابة الشرعية لتقول كلمة الفصل في جواز المعاملة أو عدمه. و هي أبناك حققت أرباحا كبيرة و كبيرة جدا. و هي أبناك بالمعنى الاستثماري للكلمة و ليست أماكن لتوزيع الصدقات ، و إن كانت تساهم في العمل الاجتماعي مساهمة متميزة و فاعلة .و معاملاتها تخضع لرقابة الدولة من جهة و لرقابة الهيئة الشرعية من جهة أخرى، و هي بحمد الله منتشرة في أغلب البلاد الإسلامية، بل حتى في بعض البلاد الأوربية و قد أرغمت أبناك ربوية كبيرة لفتح شبابيك للمعاملات غير الربوية ، و أملنا في الله أن تجد منبتا لها في أرضنا الطيبة المباركة لتساهم بدورها في التنمية الشاملة ، و ما ذلك على الله بعزيز. هذا الأمر يأتي في سياق أوامر تخص المال الذي يملكه المسلم،والمال في يد العبد المسلم هو من جهة الاستخلاف لا الملكية المطلقة، و الشأن في المستأمن على شيء أن يتصرف فيه وفق ما أراد من استأمنه عليه ، فالله هو الذي رزقنا ما بأيدينا من أموال ، و نمضي جميعا و نترك كل شيء وراءنا . الدكتور مولاي عمر بن حماد