"لم أر والدي منذ أن كنت أبلغ من العمر ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الوقت، وأنا الآن أبلغ من العمر 14 سنة، لم تمر ليلة واحدة على الإطلاق لم أتخيله فيها وأنا مستلقية بين ذراعيه، لكني أصحو دوما على وقع حلم بائس وأنه لا يمكنني أن أحتضنه بقوة بين يدي". هكذا تحدثت بالفرنسية الطفلة رانية الربيع عن مأساتها في ظل استمرار أبيها تحت الأسر الجزائري منذ 13 سنة، هكذا تحدثت والدموع تنهمر على خديها اتباعا وهي تلقي كلمتها على الحضور في الندوة الصحافية التي نظمتها يوم الأربعاء بفندق سفير بالرباط جمعية الصحراء المغربية. واستطاعت التلميذة رانية ابنة الطيار الأسير ربيع الراغب أن تفرض على الحاضرين لحظة من الحزن والأسى والحسرة على الأسرى المغاربة المحتجزين بتندوف تحت سطو وجبروت الجلادين الجزائريين. السيدة المسنة أم الملازم حميمي علال الذي أسر منذ يوم 14 10 1977 وعمره آنذاك 72 سنة توجهت إلى الحضور بكلمة جامعة ترجمت مشاعرها وأحاسيسها فقالت بلسان دارج "جازاكم الله خيرا، أطلقوا سراح ابني، أريد أن أراه قبل أن أموت" وما كادت تتم هذه الكلمة "الرجاء" حتى أجهشت بالبكاء وتوقفت عن الكلام. هذه السيدة لم يمنعها المرض ولا كبر السن من أن تأتي من مكناس رفقة ابنيها مصطفى حميمي والهاشمي احميمي لتقول على لسانها وهي الأم ماقالت. وفي الندوة التي أراد لها منظموها أن تكون ندوة للتحسيس لا أن تكون ندوة سؤال وجواب ناشدت السيدة "فاتحة" زوجة الطيار ربيع الراغب الحكومة الجزائرية والحكام الجزائريين أن يتعقلوا ويرجعوا إلى صوابهم ورشدهم، إذ لا فرق بين مغربي وجزائري، واستغربت كيف يبقي النظام الجزائري على أسرى مغاربة بسجونه دون أدنى احترام لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة سنة 1991 بين المغرب والجزائر. وبعد محاولة أولى فاشلة للفرار من السجون الجزائرية قام بها الأسير المغربي آنذاك الملازم رحال المخنتر سنة 1996 بسجن الراموني، عاود الكرة مرة ثانية يوم 6 أكتوبر 2001 كللت بنجاح، وعانق بها تراب وطنه واستنشق هواءه. وتحدث رحال المخنتر عن الأعمال الشاقة التي كان الجلادون الجزائريون يجبرون الأسرى المغاربة على القيام بها، مؤكدا أن فراره من السجن ومعانقة الحرية لم تكن من تدخل المغرب ولا الصليب الأحمر الدولي ولا الأممالمتحدة ولا مفوضية اللاجئين، ولكن من اجتهاده وتدبيره وركوبه غمار المحاولة. لقد قرر أن يضع حدا ل22 سنة و10 شهور من الأسر والمعاناة. وقال الكولونيل المتقاعد البغدادي إن لقاءا جمع بينه في مستشفى بفرنسا مع دبلوماسي جزائري رفيع وفي مناقشتهما ملف الأسرى والصحراء المغربية قال الجزائري للبغدادي: >إن مشكلتكم هي أن ديبلوماسيتكم كانت في غيبوبة< وخلص البغدادي من ذلك أنه لا حل لقضية الأسرى ما لم تعد للدبلوماسية المغربية حيويتها وعافيتها. وانتقد أحمد باهي عضو جمعية الصحراء المغربية، أحد الأسرى سابقا، الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والنقابات، وقال إنه لا أحد من هذه التنظيمات يتحدث عن الأسرى ويناصرهم في محنهم وأنه لا وجود لهذا الملف ضمن أولويات العمل السياسي للأحزاب المغربية في ظل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ليوم 27 شتنبر 2002. ورد أحمد باهي أسباب ذلك إلى أن هؤلاء الفاعلين السياسيين ليس لهم أسير من أقربائهم ولم يسبق لهم أن ذاقوا مرارة الأسر. وللإشارة فإن جمعية الصحراء المغربية قررت القيام بجولة في بعض العواصم الأوروبية صحبة بعض عائلات الأسرى ابتداء من الأسبوع الأخير لشهر شتنبر الجاري، وذلك لاطلاع المجتمع الأوروبي أكثر على حقيقة ما يعانيه الأسرى المغاربة في السجون المغربية. وكان الصليب الأحمر الدولي قد وافق على الشروع في مطلع هذا الشهر في الإعداد لزيارة العائلات المغربية لأسراها بتندوف لكنه اشترط ذلك بموافقة السلطات المغربية والجزائرية. وقال رضا طاوجني رئيس الجمعية إن السلطات المغربية رفضت ذلك ولم تقدم أي تبريرات لرفضها. عبد الرحمان الخالدي