كما توقعنا في مقالة سابقة، بعنوان "هل يختار السبسي طريق السيسي؟"، فاز رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، في الانتخابات الرئاسية التونسية، بنسبة أصوات قدرت بحوالي 56%، على المرشح المستقل والرئيس السابق منصف المرزوقي، وبذلك تكون تونس قد طوت صفحة الثورة وانتقلت إلى مرحلة بناء الدولة. فهل يتجه السبسي بالبلاد إلى تأسيس دولة ديمقراطية تعددية؟ أم سيعيد دولة الاستبداد والفساد؟ بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه رغم أن الانتخابات الرئاسية مرت في أجواء حرة ونزيهة، عرفت مشاركة شعبية واسعة، بلغت نسبة تناهز 60%، فإن التنافس بين المرشحين الرئاسيين المرزوقي والسبسي، كان على أشدّه، حيث عكس صراعا خفيا بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، المدعومة من بعض الدول العربية الإقليمية، التي تحارب بكل الوسائل، لكي تعود تونس إلى نادي الأنظمة الاستبدادية العربية، ولذلك فالسبسي يمثل طوق نجاة لهذه الأنظمة، باعتباره أحد وجوه النظام السابق.. ورغم أن رئيس حزب نداء تونس الباجي السبسي، حاول في مناسبات عديدة، تبديد المخاوف لدى الرأي العام الداخلي من عودة النظام السابق، خاصة بعد تصدره للانتخابات التشريعية السابقة، رغم أنه حزب تأسس حديثا في 2012، ثم فاز بالرئاسيات، بتأكيده على أن حزبه لا يسعى إلى إدارة الحكم لوحده، وأنه سيكون منفتحا على جميع القوى السياسية والمدنية، إلا أن تصريحات أخرى للسبسي، تلغي كل تصريحاته السابقة وتثير الشكوك لدى التونسيين حول أجندته الحقيقية. وحسب ما صرح به لوسائل الإعلام بخصوص السياسة الداخلية التي يعتزم تنفيذها، فهي ترتكز بالأساس على الأمن وما سماه بإعادة هيبة الدولة، دون أن يتحدث عن ترسيخ الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية التي تعتبر من مكتسبات الثورة التونسية، ومن جهة أخرى تأكيده على التنمية الاقتصادية، دون أن يقدم برنامجا محددا يوضح فيه كيف سيخرج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة، مع العلم أن قضية تحقيق التنمية واستتباب الأمن، مرتبطة بشكل مباشر بالتحول نحو الديمقراطية وضمان الحقوق والحريات، فلا يمكن بناء نظام اقتصادي واجتماعي بمعزل عن توطيد دعائم دولة الحق والقانون، التي تحمي الحقوق والحريات، وتضمن التداول السلمي على السلطة. أما على المستوى الخارجي، فإن الباجي السبسي كان من أشد المعارضين للسياسة الخارجية للرئيس السابق المنصف المرزوق، ووعد أكثر من مرة بأنه عند تسلمه مقاليد الحكم، سيعيد العلاقات الدبلوماسية مع النظامين المصري والسوري، التي جُمدت في عهد سابقه، وهذا مؤشر دال على توجه الرئيس الجديد، نحو تطبيع العلاقة مع أسوء نظامين عربيين استبداديين، ارتكبا مجازر بشعة في حق شعبيهما، وهو ما لا يبشر بخير، وإذا ما حصل ذلك فعلا، فإنه سيكون له تأثير سلبي على الوضع الداخلي في تونس، بحيث قد يعصف بكل المكتسبات الحقوقية والسياسية التي تحققت بفضل تضحيات الشعب التونسي، ويعيد النظام الاستبدادي السابق إلى الوجود مرة أخرى، كما حدث في مصر، وبذلك سنكون أمام انقلاب ثاني على الشرعية الشعبية، كما حدث في مصر، حيث نجحت الثورة المضادة بقيادة النظام العسكري في توظيف الآلية الديمقراطية لاستعادة السيطرة على الحكم، وهو ما يُخشى تكراره في التجربة التونسية، إذا ما استغل النظام السابق نفس الآلية للعودة مرة أخرى.