الشيخ إبراهيم نعوم: سفَّر مصحفا بيده تطلب جلد جمل وزنه 44 كلغ شيخ وقور في مظهره، دائم الابتسام، في العقد السادس من عمره، من القلائل الذين يفرضون محبتهم على من يعرفهم أو يجالسهم، لا يسعك إلا أن تحترمه عند أول عهدك باللقاء به ليتحول الاحترام إلى محبة في قلبك، تحس أن أول ما يصدر عنه من أقوال وأفعال يجد طريقه، وبكل سلاسة إلى مياسيم روحك شئت أم أبيت، وهو إحساس ينتابك وتحس أنه ينتاب من معك ممن يجالس الشيخ.. لا تراه إلا زائرا للناس، مبديا استعداده للخدمة وقضاء الحوائج، يتدخل لفض الخصومات وتسوية النزاعات، ويزور هذا مهنئا، وذاك مواسيا، قلما لا تجده مدعوا إلى وليمة، يعظ وينصح، على طريقة رجال التبليغ والدعوة إلى الله بأسلوب بسيط ويسير وآسر باللهجة المحلية أو الدارجة المغربية، قليل الأكل بشكل مثير، أبدا لا يجادل، أن خالفته الرأي لا تسمع منع إلا (عندك الحق فيها البركة) مما جعله محط احترام وتقدير الجميع بسبب قدرته الفائقة على الاندماج مع شتى أنواع المجالس والجلساء، باختلاف فئاتهم وأعمارهم ومستوياتهم الفكرية والمعرفية، دون التفريط في مقصده الأول والأخير من كل مجالسة، الدعوة إلى الله والتحريض على الخير، بحيث يستطيع وبقدرة متفردة، أن يشكل وفي كل مجلس قطب الرحى الذي لا يمل من الحكي والسرد الآسرين ببساطة الخطاب ولين وطيب الكلمة.. أغلب كلامه الترغيب وذكر الفضائل.. والرفع من قيمة الجلساء وقبائلهم ومهنهم ، إن كنت نجارا، يربطك بمهنة نوح عليه السلام، وإن حدادا بنبي الله داوود، عليه السلام،، وهكذا دواليك.. قبل أن يذكرك بأن هؤلاء تميزوا وتفردوا بالدعوة إلى الله، وبالتالي فأنت مثلهم، مسؤول عن ذلك، في حدود علمك الذي يقاس عند الله بعملك، إذ الإسلام، كما لا يمل الشيخ إبراهيم من التكرار (الدين معمولات وليس فقط معلومات).. إلا أن أهم ما يجعل خطاب هذا الشيخ مقبولا، اعتماده على النكتة الهادفة وسيلة للتأثير والاستمالة.. كثير الزيارات داخل وخارج البلدة والبلاد، إذا ألقى درسا، أو بيانا كما يسميه رجال التبليغ والدعوة إلى الله، تجده يستشهد من القرآن الكريم بشكل عجيب، ويستظهر الآيات المناسبة للموقف أو المعنى المقصود بكل سهولة ويسر، داعما ذلك كله بقدرة فائقة على استحضار عدد ورود بعض الألفاظ أو التعابير أو الأفعال، في القرآن الكريم، وكأنك تضغط على زر حاسوب، وهي قدرة استمدها، بعد عطاء الله، من هوايته الفريدة، والمتمثلة في استنساخ المصاحف باليد، وهو ما دفعنا لإجراء الحوار التالي مع هذا الشيخ، لمعرفة دوافع وطبيعة وخصائص وطقوس هذه الهواية.. من هو السيد ابراهيم نعوم؟ - إبراهيم نعوم ابن عبد السلام، من سكان الأطلس الكبير، بضواحي مدينة دمنات؛ ولدت عام 9391 في عائلة فقيرة، نشأت في وسط يتعاطى لحفظ كتاب الله أبا عن جد، حيث إني أحد سبعة إخوة كلنا حفظ القرآن الكريم عن والدنا رحمه الله. ما الدافع لكتابة المصاحف باليد؟ نظرا لأن كتابة المصاحف يدويا قد انقرضت، أو كادت، بسبب انتشار وسائل الطباعة الحديثة، وبسبب السرعة التي تميز إيقاع الحياة المعاصرة، بإيجابياتها الكثيرة وسلبياتها الأكثر، فقد قررت أن أتعاطى لكتابة المصاحف باليد إحياء لهذا التراث الإسلامي العتيق. متى بدأت هذا الأمر؟ انطلاقا من عام 5891. ما هي المواد التي تشتغل بها؟ المداد الذي أستعمله مركب من مادة مستخلصة من صوف الغنم وعصير بعض النباتات (كالزعفران، الحلحال والزعتر وما شابه...) وأكتب بالأقلام التقليدية المصنوعة من القصب، التي تعودت على برئها بيدي عندما كنت طالبا بضواحي مراكش، في بداية الخمسينات، حيث كنت أبيعها ب 1 سم للقلم). أما تسفير المصحف فقد يكون إما من جلد المعز، أو الإبل بحسب حجم المصحف. ونظرا لكبر حجم بعضها الذي قد يتجاوز طول الواحد منها 1 م وعرضه 09 سم فإني قد اتخذت ألواحا من الخشب أضعها فوق ركبي وأتخذها كمنضدة للكتابة. هذا المصحف الأخير ما هي مقاييسه؟ الطول 1 م و50 سم والعرض 08 سم وعند فتحه فإنه قد يشغل حيزا يقارب المترين. عدد أوراقه 216 وتسفيره تطلب جلد جمل بأكمله، اقتنيته من مدينة كلميم، ويبلغ الوزن الإجمالي للمصحف 44 كلغ.. كم تطلب منك من الوقت؟ حوالي 031 يوما (4 أشهر و01أيام). كيف توزع أوقات يومك وأنت تكتب؟ أستيقظ بحمد الله، في الثانية صباحا، وأشتغل في الكتابة إلى حدود الساعة 11 قبل الزوال ثم أستأنف على الساعة 2 بعد الزوال إلى حدود 6 مساء.. ثم أشتغل بعد صلاة العشاء ساعتين تقريبا، حيث لا أتوقف إلا لأداء الصلوات، وتناول الطعام، أو القيلولة، عند الساعة 11 لمدة ساعة تقريبا. هل عندك من طقوس خاصة أثناء أو قبل أو بعد الكتابة؟ قبل أن أبدأ أصوم 6 أيام، استمدادا للعون من الله، وبعد الانتهاء من كتابة المصحف أصوم 01 أيام شكرا له عز وجل على نعمة التوفيق.. كم مصحفا كتبت إلى حد الساعة؟ بالنسبة للمصاحف الكاملة فقد كتبت، بحمد الله تعالى ومنته 76 مصحفا من مختلف الأحجام.. إذ أصغرها قياسه 04 سم طولا و82 سم عرضا وأكبرها 1 م و51 سم طولا و09 سم عرضا كما كتبت س94 كتابا بعضها يضم ما بين 3 إلى 61 حزبا.. ما هي تكلفة المصحف الحالي مثلا؟ لقد بلغت بالضبط 0886 درهما. هل تكتب هذه المصاحف من تلقاء ذاتك أو تلبية لطلب ما؟ لابد أن أكتبها تلبية لطلبات من إخوة يهدونها إلى بعض المساجد أو المتاحف أو المعاهد العلمية داخل وخارج البلد. هل تتقاضى من أجل ذلك أجرة؟ أبدا، بل أقوم بطلك لوجه الله تعالى، وأشترط على طالب المصحف أداء تكاليف مادته، أما عملي فأنا أنتظر الأجرة على ذلك من الذي أكرمنا وأنزل علينا هذا الكتاب العظيم، سبحانه وتعالى.. هل يمكن لأي واحد أن يقوم بهذه الهواية الطيبة؟ ليس ذلك يسيرا إلا على من يسره الله له، إذ يقتضي هذا العمل المبارك جهودا مضنية من حيث الوقت والتركيز، ومراعاة الشروط والضوابط العلمية للرسم العثماني برواية ورش عن نافع، مع كل خصوصياتها المعروفة عند أهل الرسم (الحذف والإثبات، والوقف... الخ) هل من كلمة أخيرة الشيخ إبراهيم؟ أولا أحمد الله تعالى الذي يسر لي هذه النعمة، في هذا الزمان المبارك زمن الخير والأمن والاستقرار، في عهد جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله (الذي حصل لي شرف إهدائه أحد مصاحفي عام 4991، ثم في عهد جلالة الملك محمد السادس أدامه الله ذخرا لهذا البلد الأمين، وحاميا للإسلام فيه والمسلمين، وأن ييسر له سبيل خدمة القرآن الكريم وأهله.. حاوره أحمد لنداني دمنات أزيلال