مرت عددا من شعوب العالم من هذا الإمتحان القاسي، وهناك دول تسمى عظمى تضع ثقلها السياسي والديبلوماسي والإعلامي في خدمة الإنفصاليين عندما يكون هذا "الحق" في صالحها، وبعبارة أدق إنها تتصرف حسب مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، والإستفتاء الأخير الذي حدث في أوروبا يعد نموذجا لفهم عقلية الغرب الديموقراطي، لقد تم طرح سؤال بسيط على الأسكتلنديين حول رغبتهم في الإنفصال أو البقاء تحث التاج البريطاني. الإشكال هنا ليس الإستفتاء في حد ذاته ولكن تصرف أوروبا وأمريكا ومن والاهم، إنه الكيل بمكيالين. إن الله خلق الشعوب والقبائل للتعارف، وكما فسر البعض التعارف هنا بالتعاون على الخير في كل الميادين "تجارة، صناعة،.."، شرط أن يكون التعامل بين هذه الشعوب على قدم المساواة دون تمييز. فهل كان هذا هو تصرف الدول المسمات "عظمى" مع شعوب العالم الثالث؟ الجواب بالنفي إنه الإستغلال الفاحش للإنسان ولخيرات هذه البلدان المستعمرة. ولقد كانت بريطانيا العظمى في طليعة الدول الإستعمارية في القرن الماضي حتى لقبت ب "المملكة التي لا تغيب عنها الشمس"، وهذا راجع إلى كثرة مستعمراتها شرقا وغربا، ولازال العالم الإسلامي يعاني من تبعات هذا الإستعمار إلى اليوم، وخير مثال على ذلك القضية الفلسطينية التي كان الإنتداب البريطاني عليها في الفترة بين 1918 إلى 1948، حيث سلمها أخيرا للإحتلال الصهيوني. ولقد كانت بريطانيا بسياستها الإستعمارية المبنية على قاعدة "فرق تسد"، سببا رئيسيا في فصل باكستان وبنغلادش عن الهند، كما كانت سببا رئيسيا في فصل جنوب السودان حيث كانت تمنع الشمالين من التواصل مع الجنوبيين، ولما استقل السودان دعمت بريطانيا "جون قرنغ " ووضفت الكنيسة "الأنجليكانية" إمكانياتها الكنسية لخدمة الإنفصال، وفعلا كان لهم ما أرادوا بعد تعاون أمريكي وأوربي محموم من أجل فصل السودان عن جنوبه، كما تم فصل إقليم" آتشيه" عن أندونيسيا، وذلك بمجهودات الغرب "السخية" في دعم انفصال الدول المسلمة. إن هذا الحق يستعمل كسلاح ضد الشعوب والدول التي تحاول التمرد على نظام "المحاصصة" في استغلال خيرات العالم، أو تريد بناء دولة ذات سيادة حقيقية بعيدا عن نفوذ الدول"العظمى"، والعراق المهدد بالتقسيم إلى ثلاثة دويلات يعد نموذجا واضحا على سياسة الكيل بمكيالين، والحقيقة أن العالم العربي مهدد بالتمزيق إلى دويلات صغيرة لاتسمن ولا تغني.. لقد شكل حق تقرير المصير للشعب الأسكتلندي فرصة ناذرة لكشف نفاق الغرب، فعشية الإستفتاء بلغت قلوب الأوربيين الحناجر من الخوف، فكل أوروبا باتت تسبح بحمد الوحدة والبقاء موحدين تحت التاج البريطاني ، ودخل الإعلام في المعركة "الديموقراطية" ناصحا الأسكتلنديين على استعمال "العقل" بدل العاطفة والتصويت ب"لا" عين العقل أليس كذلك؟ لكن نفس الإعلام عندما يتعلق الأمر بتقسيم دولة مسلمة فهو يحث الناس على تغليب "العاطفة" ويذكرهم بأيام أمجادهم قبل الوحدة ويستعين بالتاريخ والدين والجغرافية وكل شيئ يخدم استراتيجية "الإنفصال" عن الوطن الأم، لكن عندما أراد الشعب الأسكتلندي التعبير عن رأيه في البقاء أو الإنفصال، كانت أوروبا سندا للوحدويين وتداعت لنجدة بريطانيا من خطر التمزق. والحقيقة أن خوفهم من نجاح "نعم" راجع إلى كون أوروبا مهددة في وحدتها بشكل عام فخطر القوميات قادم، والأوضاع في إسبانيا تقترب من النضوج. لقد تنفس الإنجليز ومن والاهم الصعداء بعد فوز "لا" على "نعم" بنسبة 55 مقابل 45 وهي نسبة ليست بالكبيرة في نظري ليطمئن الساسة الإنجليز إلى الأبد على بقاء مملكتهم موحدة، كما يقول المغاربة: "دوام الحال من المحال". وبالمعطي أش ظهر ليك فالإنفصال؟ الله يجمع الشمل أولدي..