انكب بالرباط ثلة من المسؤولين الحكوميين والفاعلين السياسيين والإداريين والأكاديميين للتفكير ومدارسة إشكالات المالية المحلية وتقاطعاتها مع المالية العامة، وذلك على مدى يومين (12و13 شتنبرالجاري)، في إطار أشغال المناظرة الثامنة حول المالية العامة، التي نظمتها وزارة الاقتصاد والمالية بشراكة مع المؤسسة الدولية للمالية العامة "فوندافيب" وبدعم من المجلة الفرنسية للمالية العامة، وتركزت أشغال المناظرة حول أوجه التكامل الذي ينبغي أن يحكم العلاقة بين مالية الدولة ومالية الجماعات الترابية في إطار من التجانس والتفاعل الإيجابي، وتناولت تساؤلا مركزيا "أي التقائية بين مالية الدولة ومالية الجماعات الترابية؟"، وتم تناول السؤال من جوانب متعددة وبمقاربات مختلفة تقاربت في الهدف والآليات، واجتمعت حول أساسيات في الفعل العام هي الحكامة والتكامل والتضامن من أجل التقائية ناجحة تسهم في التطور والتنمية وتعمل على خدمة المواطن. مريم التايدي خلصت أشغال المناظرة الثامنة حول المالية العامة إلى ضرورة العمل على إصلاح المالية المحلية وأجرأته في إطار من التكامل والانسجام مع إصلاح المالية العامة. وأكد الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، في اختتام فعاليات المناظرة، على العلاقة الجوهرية القائمة بين اللامركزية واللاتمركز، وعلى ضرورة إرساء إصلاح اللامركزية والجهوية عبر إصلاحات عميقة للمالية العامة والمالية المحلية، موضحا أن هذه الإصلاحات عليها أن تجعل من الجهات أقطابا حقيقية للتنمية السوسيو-اقتصادية المتضامنة والمتوازنة. ومن جانبه، أبرز وزير الداخلية محمد حصاد، في مداخلة (تلاها نيابة عنه والي المدير العام للجماعات المحلية عبد اللطيف بنشريفة ) أن المغرب بصدد مباشرة ورش كبير للإصلاحات المؤسساتية، بقيادة الملك محمد السادس، بهدف إتمام مرحلة جديدة من استكمال بناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، مؤكدا على أن اللامركزية مسلسل ديناميكي ومتطور تتولد عنه بانتظام الحاجة إلى إعادة التفكير في العلاقات، خاصة المالية منها، بين الدولة والجماعات الترابية. واعتبرحصاد أن تطور العلاقات بين الدولة والجماعات الترابية لا يزال محكوما بفلسفة قوامها الحذر، من أجل السهر على الحفاظ على مكتسبات المراحل السابقة وكذا الخصوصيات المغربية. الجهوية والتضامن وكان محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية قد أكد أن الجهات والجماعات الترابية تشكل مستقبل المغرب على مستوى النمو والثروة والتشغيل، وهي التحدي الأول الذي ينبغي الاهتمام به عبر إصلاح منظومة اللامركزية والجهوية المتقدمة. وقال بوسعيد، في الكلمة الافتتاحية للمناظرة إن "الجهات والجماعات الترابية مدعوة في هذا الصدد للقيام بدور مركزي كمحرك حقيقي للإنتاج الاقتصادي وتثمين الثروة الوطنية"، ودعا إلى بلورة الإصلاح الراهن للجهوية واللامركزية بشكل يشجع على نطاق واسع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تخول انبثاق أقطاب اقتصادية ترابية تتوفر على المقومات اللازمة لاستقرار المقاولات وتنمية النشاط الاقتصادي، وجلب الاستثمارات والخبرات والكفاءات والتمويل، وتقليص الفوارق من أجل إحداث قيمة مضافة حقيقية. وشدد المتحدث في السياق ذاته، على أن الإصلاح الترابي ينبغي أن يشكل أداة حقيقية لإنزال آليات التضامن بين المناطق الترابية، داعيا لعدم إقصاء أي تراب من سكة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأسباب تتعلق ببعده أو عزلته أو محدودية قدراته الطبيعية والمالية، معتبرا أن اصلاح المالية المجالية في انسجام مع المالية العامة، وفي انسجام بين الوحدات الادارية والمنتخبة تحدي أخر يجب العمل عليه. الديموقراطية والتدبير وقدم الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، تقريرا تقديميا للمناظرة جاء فيه أن مالية الدولة والجماعات الترابية يجب أن تخضع لمنطق تدبيري. وقال بنسودة إن الديمقراطية المحلية تتطلب سلطة مالية محلية تشتغل بانسجام وتكامل مع السلطة المالية للدولة، مشيرا إلى أن المغرب اختار في هذا الصدد، مراكمة تجربته الخاصة وتجارب بلدان أخرى نجحت في مسلسل تفعيل اللامركزية. وأوضح المتحدث أن المبدأ الدستوري لحرية الإدارة يتطلب استقلالية مالية للجماعات الترابية، إذ تزال هذه الاستقلالية حتى الآن متمحورة أكثر حول بعد الميزانية والبعد الجبائي، مضيفا أن حصة نفقات الجماعات الترابية داخل إجمالي نفقات الدولة والجماعات الترابية لا تزال متواضعة (10 بالمائة). ودعا بنسودة إلى تنسيق بين الدولة والجماعات الترابية في جميع مجالات المالية العمومية، واستعرض من خلال التقرير تطور الانفاق العام للجماعات المحلية بين 2002 و2013 منتقلا من 11 بالمائة الى 30.6 بالمائة وكذا بنية النفقات والمداخيل العادية وبنيتها . أما الخبير الفرنسي مشيل بوفيي رئيس المؤسسة الدولية للمالية العمومية، فقد ركز في مداخلته حول تطور الجهوية بفرنسا على كرونولوجيا التطور والسياقات التي مرت بها الجهوية من حيث التشريع والتطبيق منذ 1973 إلى حدود الأزمة الاقتصادية، فضل أن يتدخل بمقاربتين مختلفتين مقاربة المسؤول الذي استعرض التقائية المالية العمومية ببلده مع المالية المحلية، ومقاربة الخبير والأستاذ الجامعي الذي يمحص التجربة ويقدم قراءات في تطورها ، إذ قال في الكلمة الافتتاحية لأشغال المناظرة أنه يعتبر المناظرة فرصة للتشاور وتبادل الخبرات في افق إعادة تاسيس رؤية جديدة وتجديد ورش اصلاح المحليات، مع احترام خصوصيات كل بلد على حدة، مشددا على ان لاشيء ثابت وأن العالم يتحول ، مشيرا أن العالم يعيش 40 سنة من الازمة يجترها ويعيد طرحها من جديد قائلا" 40 سنة والازمة تشغلنا وتطرح نفسها كحالة طبيعية "، مؤكدا على أن التنمية ليست نجاح في الحسابات مرددا بمرارة بادية " 40 سنة جربنا فيها كل شيء " "40 سنة من نبش و تعميق الفوارق" موضحا انه كيف ماكان البلد فالكلفة الاجتماعية حاضرة و المالية العامة في الواجهة ، على اعتبار ان المالية العامة هي تحول للنماذج الاقتصادية التي نعيشها فهي تجمع السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي ، وقال " لسنا في اطار الابداع نحن في التكرار" ، ليدعو الجميع الى ضرورة التفكير وابداع مقاربات جديدة وان العالم اليوم محتاج الى الابداع في السياسة وفي المؤسسات ، معتبرا ان التعريف الموضوعي للوضع الحالي اليوم هو نظام لا انساني نتيجة عدم قدرة على الفهم وغياب الابداع السياسي والحكامة والتكامل. وتابع الخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي أن ثنائية "الديموقراطية / استقلالية" عموديا وافقيا في اطار التكامل و التدبير الجيد هي الكفيلة بانسنة وانجاح الاوراش المفتوحة . و أشار ميشيل بوفيي إلى أن قيادة المالية العمومية لا يمكن أن تنحصر في ميزانية الدولة وميزانية الجماعات الترابية، مضيفا أنه لا بد من الاستراتيجية المالية للتحكم في أي عجز أو دين عمومي من شأنه تهديد توازن المجتمع. عالم يتحول وتدارست مجموعة من المداخلات وضعية المالية العمومية المغربية والفرنسية، وضرورة العمل على ضمان نوع من الالتقائية والتكامل بين الماليتين المحلية والعمومية بغية الحفاظ على الإطار المالي للدولة. وأشارت إلى أن تقويم المالية العمومية المحلية يتطلب إلزاما إحداث انسجام لهذه المالية مع الأهداف الشاملة للمالية العمومية. ودعت مجموعة من المداخلات لأكاديمين وجامعين إلى ضرورة التفكير في مقاربات جديدة وتعميق النقاش انتاج الافار واقتسامها في افق تطوير التقائية ناجحة بين الماليتين تصب في خدمة المواطن وتنعكس على معيشه اليومي واستفادته من المرفق العمومي محليا ، وتدارسو مراحل تطور مفهوم الدولة والدولة الترابية وتطور تدخل الدولة وادوارها مشيرين الى ان العالم يتحول وان العولمة اليوم تفرض انماط جديدة في التدبير تقتضي ضرورة تطوير اليات التفاوض والحوار وابداع نموذج جديد يواكب توسع المدن الكبرى وتوسع حاجيات المواطنين . واشتغلت المناظرة على ثلاثة محاور أساسية همت التنمية المحلية، والاستقلالية المالية للجماعات الترابية، والتكامل والتضامن بين الدولة والجماعات الترابية في الميدان المالي .