تحل بالعالم هذه الأيام ذكرى مولد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. وميلاد الرسول، أي رسول، مثل بعثته وحياته الدعوية الحافلة ومثل وفاته أحداث كونية عظيمة، تتفاعل معها السماء والأرض وما بينهما على الدوام. ولئن مات النبي أو قتل أو رفعه الله إليه، فإن الرسالة التي يحملها إلى العالم لا تموت، لأنها كلمة الله الحي الذي لا يموت. كذلك الشأن بالنسبة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته الخاتمة التي وضعت حدا للحيرة والتيه والضلال، وأخرجت الناس من الظلمات إلى النور. ما تزال البشرية كلها في حاجة ماسة إلى الرسالة الخاتمة التي بعث بها نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، فلا يمكن للناس أن يتحرروا من الآصار والأغلال التي تكبلهم، والأنظمة الثقافية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية التي تسجنهم في معتقل كبير يسمى "العولمة الأمريكية الصهيونية"، لا يمكن للناس أن يخرجوا من ظلمات الاستبداد والظلم إلى نور العدل والمساواة الإنسانية على اختلاف مللهم ونحلهم إلا بالإسلام، دين السلام والدعوة إليه بالتي هي أحسن. وأمام تدهور الأخلاق الرفيعة وصعود الرذائل الوضيعة، تشتد الحاجة إلى صحوة أخلاقية هي جوهر رسالة النبي الخاتم الذي قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والذي شهد له الله العلي الأعلى بسمو أخلاقه وعظمتها (وإنك لعلى خلق عظيم). لا يمكن لمقال صغير كهذا أن يفصل الخلق العظيم لرسول الإنسانية الأخير محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يفصل في حاجة العالم إليها، خاصة المومنون الموحدون وكل مستضعفي الدنيا، غير أن مقطعا جامعا من القرآن الكريم كان آية في وصف حال الرسول صلى الله عليه وسلم، وخروج نفسه من هواها ليصبح همها هو التضحية بالعمر كله من أجل خلاص الناس وسعادتهم في دنياهم وأخراهم، حال هي ما ينبغي أن يكون عليها الصاحون المسلمين وغير المسلمين، الساعون نحو مملكة السعادة في القارات الخمس من كوكبنا .... قالت سورة التوبة وهي تخلص في خاتمتها إلى إظهار تضحية النبي بكل نفسه من أجل الناس وحمله لهمومهم ومشاكلهم إلى درجة قصوى وصلت أحيانا إلى الهم والغم الدائمين (لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمومنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم) يكفي أن نعرض وجها واحدا من وجوه حرص نبي الإسلام على سعادة الناس وإبعادهم من إراقة الدماء في المواجهات الحربية، ذلك أن نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاض حربه العادلة، أو حرب الدفاع التعرضي كما تسمى في المصطلحات العسكرية الحديثة، ضد المستكبرين في مكة والمتحالفين معهم، غير أن حصيلة الضحايا كانت رحيمة هزيلة بالمقارنة مع مئات الملايين الذين أزهقت أرواحهم في حروب الاستعمار والدمار في زماننا هذا. في سبع سنين خاض بني الإسلام 28 غزوة كبرى، وفي تسع سنين نظم 50 سرية للاستطلاع وتأديب الغادرين، ولكن الحصيلة من القتلى لم تتجاوز ألفي قتيل حسب إحصائيات عسكرية متخصصة. ولما جاء نصر الله وفتح مكة لم يدخلها كما يدخل السفاحون السفاكون في كل عصر ومصر، ولكنه عفا عن مضطهديه ومعذبيه ومخرجيه قائلا: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، هذا دون الحديث عن احترامه للأبرياء، وإكرامه للأسرى الرهائن واعتنائه بالجرحى والقتلى. النبي نفس تذوب وتحترق من أجل الآخرين ولو كانوا خصوما لها والنبوة أعلى مقام في خدمة الإنسانية دون تمييز بين الأغنياء والفقراء ولا بين الذكور والإناث، ولا بين الكبار والصغار، ولا بين الأبيض والأسود، ولا بين الحيوان والإنسان والجماد، قضيتهم فوق كل القضايا وفوق الحياة الشخصية. كذلك ينبغي أن يكون الذين يحتفلون كل عام بذكرى المولد النبوي، أو بذكرى الهجرة أو بالعيدين (الصغير والكبير)، وكذلك ينبغي أن يكون المسلمون إن أرادوا تحرير العالم من مجرميه الكبار. (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) مواقع متصلة بالموضوع: http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=rwd1103.htm http://islamonline.net/Arabic/In_Depth/mohamed/1424/index.shtml