تنتصب "أبواب الرباط" سامقة في وسط المدينة، مُحدثة عن تاريخ هذه الحاضرة ورَاوِية جزء من ذاكرتها الحضارية، فأبواب الرباط ليست منافذ يسلكُها العابرون وحراسا للقاطنين فقط بل شواهد معمارية تؤرخ للماضي وعراقته، وتُعرف بالمدينة ومعالمها. وعلى مشارف مدينة الرباط التاريخية، تتراءى هامة "باب الرواح" شامخة، فيما يحتفظ اسمه بمآثر تاريخ قديم، فهو أحد أشهر أبواب المدينة، ينأى به موقعه القريب من القصر الملكي عن صخب المدينة رغم أصوات السيارات الهادرة التي تخترق أسماعه على مدار ساعات اليوم، وطرازه المعماري دفع السلطات المغربية لتخصيص جنبات هذا الباب لإقامة معارض تشكيلية يعرض فيها الفنانون المغاربة والأجانب إبداعاتهم الفنية. باب الرواح، أحد الأبواب التاريخية لمدينة الرباط – الأناضول وحول هذه الأبواب كانت تقام الأسواق العامرة، المكتظة بجموع البائعين والمُشترين، والمُفعمة بصخب حركتهم ورواج تجارتهم، بل إن بعض الأبواب استوحت تسميتها من النشاط التجاري الذي كان يقام على مقربة منها، ف"باب الحد" وسط العاصمة المغربية الرباط على سبيل المثال، استمد اسمه من السوق الأسبوعي الذي كان يقام نهاية كل أسبوع على جنباته. ولا يزال هذا الباب يشكل قلب المدينة النابض وموطن تجمع باعتها وأسواقها، لا تهدأ الحركة به ولا تستكين إلا في ساعات متأخرة من مساء كل يوم، كما أنه صار مُلتقى تنطلق منه أغلب المظاهرات والمسيرات الشعبية التي تنظم في الرباط، على اختلاف الجهات الداعية والشعارات التي ترفعها. وشيدت أغلب أبواب الرباط خلال العصر الموحدي (نسبة إلى الموحدين، 1121م- 1269م)، شاهدة على قوة الدولة الموحدية وصلابة بُنيانها العسكري التحصيني وتفوقها العمراني الحضاري، التي امتدت في أوجها على مساحات شاسعة بالغرب الأفريقي من نهر السنغال جنوبا إلى حدود الأندلس شمالا. وتقول روايات تاريخية إن بناء هذه الأبواب سعى من خلاله السلطان الموحدي لمحاكاة تصاميم مدينة الإسكندرية (شمالي مصر) وأبوابها، ولكل باب اسم يدل على تاريخه أوسياق بنائه، وتُنسب أسماء أخرى لبعض المظاهر أو الأنشطة التي كانت تقام بالقرب من هذه الأبواب. وتمتاز أبواب الرباط بنمط معماري إسلامي يجمع بين الزخارف الأندلسية ونقوش مغربية أمازيغية تجعل من هذه الأبواب وأقواسها لوحات فنية تزين فضاءات العاصمة، وتنتشر على طول أسوار المدينة التي تلتف حول الرباط القديمة. فمدينة الرباط المُطوقة بأسوار بُني بعضُها في العهد الموحدي وأخرى في عهد الدولة السعدية (1554-1659م)، صنفت من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" تراثا عالميا إنسانيا، واختارت عددا من المواقع التاريخية بالمدينة سنة 2012 على لائحة المواقع التراثية العالمية، واصفة العاصمة المغربية الرباط ب "العاصمة العصرية، والمدينة التاريخية، تراث مشترك". وفي شمال العاصمة، وعلى ضفاف نهرها أبي رقراق، يستقر" باب الوداية" الذي استوطنته شعوب وقبائل كانت تفد مهاجرة إلى ضفاف شواطئ الرباط، آخرها "المورسكيون" بعد فرارهم من ملاحقات محاكم التفتيش الإسبانية غداة سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس (1031م)، حيث يعد هذا الباب المعبر الرئيس للأحياء التي قطن بها هؤلاء وصُممت على الطراز الأندلسي المورسكي القديم. ولا يختلف "باب شالة" الذي ينتصب على مشارف مدينة شالة الأثرية، التي يعود بناؤها للعهد الفينيقي، عن باقي الأبواب التاريخية وإن كان أكثرها عراقة وقدما، حيث يعد هذا الباب تحفة معمارية لإحدى أقدم المدن في تاريخ المغرب، والتي كانت مستقرا لشعوب مختلفة تعاقبت على المنطقة واستقرت بالقرب من نهر المدينة "أبي رقراق"، وتضم الرباط أبوابا أخرى ك"باب البيبة" و"باب العلو" و"باب القبيبات" وأبواب أخرى ممتدة على طول أسوار المدينة. وتُحاول السلطات المغربية الحفاظ على المظاهر الجمالية التي تتميز بها هذه الأبواب، عبر ترميمها بين الفينة والأخرى لحمايتها من التلف والانهيار، أملا في أن تواصل هذه الأبواب أداء دور اضطلعت به لقرون من الزمن، حارسة للمدينة ومعبرا للسالكين دروبها، ومآثر تاريخية للمتأملين.