بقلم المهدي بوشدوق يعد الترابط العلائقي بين عنصري الدين والتدين من أهم الإشكاليات المطروحة في الدراسات السوسيودينية والفلسفية، على اعتبار أن حقلي الدين والتدين قد عرف تطورا ملحوظا في الواقع الإجتماعي، منذ نشأة الدين إلى نشأة تمظهرات تدينية في واقعنا الحالي، والذي أخد عدة واجهات من خلال صراعات اقتصادية وسياسية هدفها وغايتها التحكم والتسلط. فالدين ضرورة هو جماع التصورات الكلية إما عن الحياة أو الكون أو الروح أو الحياة الثانية المخفية إضافة لتطبيقات جزئية في الواقع الأولي - زمن النشأة -، والتدين هو إنزال لتلك التصورات على المحيط الإجتماعي، وإسقاط لتلك التمثلات على أرض الواقع مابعد زمن النشأة، ومن هنا تنشأ نظرية المطلق والنسبي للحقلين، باعتبار أن الدين هو رمز لتجليات المطلق المثالي التجريدي الخارج عن دائرة الحركية الإنسانية والعقل البشري، أما التدين فهو التجلي النسبي الحركي الواقعي لتمثلات المطلق على النسيج الإجتماعي، هو فعل العقل البشري وحركيته حول المطلق ايجابا وسلبا، وما دامت التجليات الواقعية متعددة بحكم اختلاف العقل البشري الفاعل مع دوران مطلق الدين، نتج عنه تعدد في التجاوب والانسجام مع المطلق واختلاف القراءات في المطلق الواحد، وبالتالي تنوع تديني في الفهومات البشرية للدين، تنوع مرتبط بمدى القدرة الإستيعابية للعقل البشري لتجليات المطلق، قدرة متصلة بالبناء العقلي من جهة، واختلاف في الأبنية الإقتصادية، ومن جهة أخرى مدى القابلية البسيكلوجية لتمثلات المطلق. مفاهيم التدين تؤسس انطلاقا من الدين الواحد، بمعنى داخل كل نسق ديني يلاحظ بالتفكيك التجريدي لتطور الدين بالتدين، مع وجود مسارات ومساقات تدينية في الدين الواحد، أي انفتاق فهومات عقلية حول مسمى الدين، وبالتالي بزوغ تكثلات تدينية مختلفة إلى درجة التناقض في الدين الواحد، بله إلى درجة الصراع الأبدي حول التحكم في تفسير وتنزيل أصل الدين لفرع التدين، هو التفسير الأحادي للدين الواحد ليصل إلى درجة ومرتبة المقدس، وفي ذات المقدس انخراط في تأدية رجل الحدود في تجريح كل المساقات التفسيرية التدينية الأخرى المخالفة للتفسير المقدس لذك التدين الواحد، وهنا تنشأ أسحلة تكفير المخالف سواء بمسمى الإرهاب اللفطي المعنوي المقولاتي، والذي يصل فيما بعد إلى التفكير العملي المؤسس على فلسفة إهراق الدم المؤدي إلى النعيم الأخروي ونيل رضى الجزاء الديني، ودائما نعيم إهراق الدم المتوج بالحور في المتخيل يختلف حسب كل تمثل تديني مقارنة بمنتسبي التدينات المختلفة، باعتيار الحور والنعيم سبب من أجله تؤدى فسلفة القتل في التدينات المختلفة لفرض هيمنتها باسم الطهرانية، أي أن كل مجال تديني لدين مطلق يخالف مساق تديني لدين اخر مطلق في التصور والتنزيل. الدين والتدين يفترقان في مسمى الزمن، حتى يصبح مع التطور التاريخي تحت مسمى الإصلاح الديني المؤثر على تجديد فهم التدين، باعتبار أن الإصلاح الديني يتأسس على أسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية، ويغير من نظرة المتدين للدين في أبعاده الواقعية - الحاضر - وأبعاده المستقبلية، هذا الإصلاح يبرز مفهوم التناقض بين النظام الديني والنظام التديني -التدين الإجتماعي-، وبالمعنى البسيكلوجي فالنسق الديني لم يعد يشبع شغف حركية النظام الإجتماعي، والنظام التديني الإجتماعي لم يعد يحتمل إلزامات الأنا الأعلى لمواثيق النسق الديني، باعتبار قاعدة أن نشأة الدين مرتبط بالخصاص النفسي العقلي للمتدينين في الزمن ذاته، وغير رهين بالتحليل أو التفكيك لمسمى الدين، فالبداية تكون مميزة بالقابيلة الإجتماعية والنفسية، لكن التناقض أو الإصلاح الديني أو التغيير يبدأ بشكل تدريجي مع المفاصلة الزمنية بين الدين والتدين، وتكون متوترة لدرجة الإنفكاك عند طول الحقبات الزمية، فالتوسع العقلي المعرفي للحراك البشري في علاقته بالكون يبين الحاجة الملحة للتناقض بين مسمى الدين والتدين، مع العلم أنه تمت أنسجة تدينية قد تكون مادية في الإستجداء بالدين المطلق في لحظته مع وجود رتوشات على مستوى الفهم والتنزيل، وغالبا هذه المادية تأتي من خلال الإنتقال من الكتاب الواحد للدين إلى الإستنجاد بالكتب التي فسرت الدين، ومنه تنشأ الملابسات المتعدد لنشأة تدينات جديدة في الحقل الإجتماعي،لذلك يلاحظ في الواقع تعدد في فهومات ومظاهر التدين في كل أنسقة الأديان في العالم، وتتخد طابع المقاتلة المقدسة. يمكن القول أن الفاصل المميز بين الدين والتدين هو التفاعل النسبي بالمطلق، فالدين واحد في نصه والتدين متنوع في تشكيلته الإجتماعية، ويأخد واجهات يتخدها أساسا لفرض الهمينة التفسيرية للدين الواحد وفرضها بالقوة المتاحة، سواء ظغط واجهات اقتصادية أو سياسية أو برغماتية، وما الحروب الدموية التي تشهدها فئات تدينية إلا انعكاس لتعدد في الفهم التديني السلوكي وتوظيف للأسطول الإعلامي والمالي. باحث في فلسفة الأديان وتاريخ المذاهب بجامعة محمد الخامس الرباط.