استبق الصحافي البريطاني روبرت فيسك يوم تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري رئيسا لمصر الأحد 8يونيو2014 وتحدث في مقاله فى صحيفة "الإندبندنت" نهاية مايو الماضي أي قبل أسبوع عن "تتويج الإمبراطور" بعد انتخابات قالت أكثر التقارير الغربية تفائلا إن نسبة المشاركة فيها بلغت 7% أي حوالي 5مليون ناخب رغم أساليب الترغيب والترهيب. وصدق الرجل في تشبييه، ولايحتاج احد وهو يستمع لخطاب السيسي الطويل بعد تنصيبه رئيسا لكثير من الجهد ليفهم، أنه أراد ان يقدم نفسه كزعيم تاريخي من خلال مكان إلقاء الخطاب بقصر القبة حيث سبق للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر أن ألقى خطابه وأدار الحكم . وأراد من خلال القاموس المستعمل وحمولات الخطاب وتلميحاته وتصريحاته، أن يظهر أنه ليس رئيسا منتخبا بنسبة قليلة من الشعب بل صاحب تفويض مطلق سيعتمد القاعدة البوشية (نسبة للرئيس الأميركي السابق بوش الإبن) إما معي أو ضدي، مستندا في ذلك على مايعرف بالدولة العميقة التي استعادت معه كامل حيوتها، وعلى دعم الجيش والشرطة اللذين خصص لهما حيزا لابأس به من خطابه من الشكر والثناء في البداية والنهاية، وعلى النفاق الغربي والصمت الدولي مادام سيضمن أمن إسرائيل ويحافظ على اتفاقية كامب ديفيد وهو ماتعهد به، ويمشي على نهج الرئيس المخلوع حسني مبارك في أسطوانة مكافحة الإرهاب والتي يقصد في الحالة المصرية تحديدا إقصاء التيار الإسلامي وتحديدا فصيل الإخوان المسلمين من الحياة السياسية أو على الأقل الحيلولة دون رجوعهم للمشهد الانتخابي. ومايؤكد هذا التوجه السلطوي وعدم التسامح مع الرأي الآخر المعارض صاحب الوزن في الشارع المصري، سواء كان إخوانيا أو يساريا أو شبابيا أن خطاب التنصيب لم يتحدث عن دور الأحزاب السياسية ولا المجتمع المدني في المستقبل وهمشها تهميشا واضحا، لأنه ببساطة خطاب رئيس أعلن عن برنامجه في الحكم بعد إعلان نتائج "الانتخابات"وتنصيبه، وليس قبلها كما هو متعارف عليه في الديمقراطيات التي تحترم نفسها، وبالتالي فهذا برنامج للتنفيذ وليس مشروع للمناقشة في المؤسسات وانتظار انتخاب البرلمان للموافقة عليه . وحتى لما تحدث عن الانتخابات البرلمانية حدد للبرلمانيين وظيفة رئيسية تنزيل دستور الانقلاب فيما سماه بقوانين صارمة، بما يعني أن الانتخابات ستكون على المقاس وأن البرلمان المصري المقبل سيكون مجرد ديكورلمباركة قرارات الرئيس وفريقه في الحكم والتصفيق لها بطريقة أسوء من أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي سيترحم عديد من المصريين على أيامه. وممايؤكد أيضا أن الرئيس السيسي لن يقبل بتعدد الأراء ولن يتسامح مع الأراء المخالفة والناقدة حديثه عن مفهوم خاص به بالحرية مفصل على مقاسه. وفيما انتقد الاختفاء وراء الدين من أجل السلطة واستغلاله في السياسية، لم يجد حرجا في تضمين خطابه حمولة دينية واضحة أراد بها أن يوحي للمستمعين من المصريين البسطاء أنه رجل متدين ويخاف الله ويتقيه، ففضلا عن الآيات الكريمة والأحاديث التي أوردها، تحدث أنه استخار الله ودعا في صلاته و.. ولم يتحدث السيسي عن الديمقراطية إلا في معرض الكلام عما سمي نقل السلطة إليه من الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، والحال أن كل الناس تعرف أنها مجرد مسرحية وأنه من عينه في ذلك المنصب وهو من ودعه، ولأن أغلب الدول المدعوة لحضورحفل التنصيب وخاصة الغربية تعرف هذه الحقيقة ومسرحية ماسمي بالانتخابات الرئاسية ولاتقدر على تجاهلها، كان حضورها في الحفل ضعيفا وله دلالته . باختصار سينزل خطاب التنصيب على رؤوس قوى شبابية وسياسية راودهم الشك في أن ماحصل يوم 30 يونيو2013 و3يوليو2013 انقلاب كامل الأركان على إرادة الشعب المصري استعان بمخرج سينمائي لتسويقه كثورة تصحيحية، كماينزل الماء البارد.. ولعله يعيد لهم الوعي من جديد