كثيرون اعتقدوا - وعبد ربه منهم- أن الشعب المصري سلم بالانقلاب العسكري، وأن مصر ستعرف تسونامي انتخابي لم يسبق له مثيل في العالم، وسيخرج المصريون أفواجا بل أمواجا تجتاح صناديق الاقتراع وتقدم الولاء والطاعة لقائد الانقلاب المشير عبد الفتاح السيسي، وهكذا أوحى الإعلام المصري الذي يعزف على اختلافه وتعدد أشكاله ( عمومي وخاص، تلفزيون واذاعة وصحف..) بمايستروا واحد. لكن أغلبية الشعب المصري كانت لها كلمة أخرى قاطعت ماسمي انتخابات رئاسية، وتركت أغلب مراكز الاقتراع (اللجان الانتخابية) صفصفا خاوية على عروشها، موجهة بذلك صفعة مدوية للانقلاب ومنظومته، وقالت له إن الصمت لايعني الموافقة على ماجرى. إلى هنا الأمر مفهوم، أغلبية الشعب المصري انتفضت بطريقتها على اغتصاب إرادتها وردت الصاع للانقلاب صاعين وأظهرته عاريا من الشرعية أمام المنتظم الدولي، وبينت أن ماحصل يوم 30يونيو2013 لم يكن إلا مسرحية وسينما لم تنطل عليها. لكن الأمر المستغرب؛ هو كيف امتلك الإعلام الذي كان يسبح بحمد الانقلاب صباح مساء ويزين له سوء عمله، وصور أن الانتخابات ستكون عرس القرن، كيف امتلك هذا الإعلام الجرأة للحديث عن الوضع المأساوي للجان الانتخابية وفراغها، وضعف الإقبال على التصويت...؟ ومالذي وقع بالضبط حتى غير الإعلام ذاته نبرته في اليوم الثالث للاقتراع، وتحدث عن الإقبال الكبير وما إلى ذلك من الهراء الذي لايصدقه إلا قلة القلة.. أشارت عدد من القراءات والتحليلات إلى وجود ثلاثي يقف وراء انفصامية الإعلام المذكور، رجال الأعمال وأصحاب القنوات الفضائية الخاصة والماكينة الانتخابية للحزب الوطني، جمعهم الخوف من الرئيس القادم السيسي وطلباته بالدعم المالي بمبالغ كبيرة ودفع الضرائب، وانكار مساعدتهم له ودعم انقلابه، خاصة وانه صرح قبيل الانتخابات أنه لايدين لأحد في شعبيته، ولافضل لأحد عليه متهما الاعلام بكونه سبب انقسام المجتمع. تخوف الثلاثي من أن السيسي قد يتخذ قرارات لكسب الشعبية على حسابهم، من قبيل فرض دفم مبالغ كبيرة على رجال الأعمال لدعم الاقتصاد المصري المنهار، ورفع نسبة الضرائب، ويتخذ قرارات ضد قنوات تظهره وكأنه لاعلاقة له ولامحيطه بخطابها التحريضي لبعض الشعب على بعضه الآخر وزرع الفتنة في المجتمع..، وقرارات بالتخلص من رموز الحزب الوطني وقياداته وإزاحتهم من الواجهة، وربما يعلن عفوا عن المعتقلين و غير ذلك. تخوف الثلاثي جعله يحشر السيسي في الزاوية ويضطره لعقد اتفاقات معينة تحول دون استفادته لوحده من "أرباح" الانقلاب وتحملهم لأوزاره، ويظهروه أنه ضعيف بدونهم. وبغض النظر عما إذا كانت هذه القراءة قريبة من الحقيقة- والراجح أنها كذلك- أم بعيدة ومجرد تكهن، فإن هناك حقيقة ساطعة لاتقبل الطعن ولا الشك أظهرها ماسمي بالانتخابات الرئاسية وهي أن غالبية الشعب المصري عرت حقيقة حجم الانقلاب والانقلابيين أمام العالمين، وأن قواه الحية وخاصة الشبابية لم تقبل بسرقة ثورة 25 يناير، ولم تقبل بالانقلاب لأنه لم يكن انقلابا على فصيل سياسي واحد بل على حلم شعب بأكلمه في التحرر من الاستبداد والطغيان. وأعطت التعليقات التي كتبت على أورق الذي أبطلوا أصواتهم -الذين تجاوز عددهم المليون- الدليل الواضح على ماتقدم، وعلى أن أغلبية الشعب المصري لم تنس المئات الذين قتلهم الانقلاب والآلاف في السجون ومآسي التعذيب وتخريب البيوت وتشتيت الأسر و.. ويبقى السؤال هل سيفهم من دعموا هذا الانقلاب من الداخل و الخارج رسالة أغلبية الشعب المصري؟ أم سيتجاهلونها؟