لماذا يقبل الأطفال والشباب على التدخين ؟ لا يخفى على أحد أن التبغ له من الخصائص ما يحمل المدخن على التعود عليه بفعل ما تشعره به من لذة وإثارة ونشوة وراحة وانبساط واسترخاء، ومن المعلوم أن مادة النيكوتين بعد أن تصل إلى حويصلات الرئة تنتقل إلى الدماغ في بضع ثوان فتستثير المؤثرات النفسية للاعتماد. ونستطيع أن نفهم عمق التأثير إذا تذكرنا أن قوة التعزيز لسلوك ما رهين بسرعة الاستجابة، وعليه فكلما استنشق المدخن نفحة من السيجارة واستجاب لها الجسم بالارتياح والارتخاء والخفة والنشوة اشتد تعلقه بالسيجارة فصارت له "دواء" لما يجده من توتر أوقلق أو اضطراب. إن التدخين يخفف على المدخن عبء القلق والضغط ويساعده على التركيز ولو إلى حين، غير أن هذا الدواء الآني هو في الوقت نفسه داء فتاك لا يتفطن له صاحبه إلا بعد مرور سنين عديدة، فقد تستغرق عادة التدخين عقدا أو عقدين أو ثلاثة قبل أن تفضي إلى أمراض بالغة الخطورة على الجسم لكن بعد فوات الأوان. فإذا أضفنا إلى ذلك سرعة الحصول على السجائر خلافا لبقية أنواع المخدرات الأخرى كالهروين والكوكايين مثلا، وانخفاض ثمنه، وتغاضي الناس عن النهي عنه، والتساهل فيه سهل على المدخن خوض التجربة والاقتراب من السجائر والمبادرة إلى التعاطي. على أن لشخصية المدخن دخل فيما يتصل بالاقتراب من التدخين والانتظام في تعاطيه، فمن أظهر سمات المدخن النموذجي القلق، والميل إلى الاكتئاب، والمزاج الغضوب، والقابلية للتأثر بالأحداث والملمات. أمثال هذا الشخص يجدون ملاذهم في التدخين الذي يتعزز بما يشعرون به من ارتياح مباشر بعد أن يسري عبق التبغ في أجسادهم، وتسوء حالتهم إذا ما أوقفوا التدخين من تلقاء أنفسهم ولم يلجؤوا إلى مساعدة نفسية أو طبية. على الرغم من حملات التوعية المكثفة للتنبيه إلى أخطار التدخين واقتناع عدد كبير من المدخنين بمساوئه، إلى أن الإقلاع عن التدخين يكا يكون من المستحيلات لدى البعض. ما هو السبب؟ بالنسبة للأطفال والمراهقين، فنحن نعلم أن هذه الفئة العمرية تنساق وراء التدخين في كثير من الأحيان بدافع التماهي مع الراشد الذي هو قدوة لها، فكأن المراهق وهو يدخن يتشبه لا شعوريا بمن يعجب بهم من الآباء والمدرسين أو نجوم السينما والغناء، ويلج عالم الكبار الذين هم أحق بالتدخين من الصغار. هنا يكون التدخين علامة على أن الطفل قد شب عن الطوق وانتقل من طور إلى طور، أو من حال المغلوب على أمره إلى حال الماسك بزمام نفسه وغير المنقاد إلى غيره آباء وإخوانا ومدرسين، فالسيجارة إذن شاهد إثبات على الرجولة أو وسيلة للتمرد على القيم وإثبات الذات ولو بتسميم الجسم وتخدير العقل. لنلاحظ إذن أن التماهي، التي هي عملية لاشعورية لا تذعن للعقل لأنها موصولة بقوى تمكين الذات من الوجود والتجلي والإثبات، وقد يكون التدخين أداة لمغالبة القلق الذي يعتري النفس وينغص على المراهق الناشئ عيشه، وسكينته فلا يجد مسكنا غير السجائر يطفئ بها ضغط المشاعر والتوتر ولو إلى حين. ما الطرق الكفيلة لعلاج الأطفال من آفة التدخين ؟ لا ريب أن الوقاية دوما خير وأفضل من العلاج، ومن مقتضياتها الامتناع عن التدخين أمام الأطفال داخل الأسرة وفي المدرسة والأماكن العمومية، وتجنيبهم ما من شأنه أن يشكل عبئا نفسيا عليهم، وتنشئتهم التنشئة التربوية الكاملة التي تشمل العناية بالجسم والعقل والروح وبالذوق وتمكينهم من الرفقة الحسنة. وإذا لم يتيسر ذلك فمن النافع للطفل أن يستعين بأخصائي نفسي للكشف عن الأسباب الداعية إلى تعاطي التدخين، وهي أسباب وجدانية بالأساس ذات صلة في غالب الأحيان بالروابط الوجدانية القائمة بينه وبين والديه وبقية إخوانه، فهذه الصلات تمهد لعلاقات خارج الأسرة قد تحمل الطفل على الاقتداء برفاق السوء والامتثال لأوامرهم حينما يدعونه إلى جماعتهم ومشاركتهم التدخين، وما يجر إليه بعد ذلك من سلوكات تؤشر على الانتماء إليهم وتضمن له الحماية والقوة والارتياح المفتقد في البيت أو المدرسة.