ثمة حاجة إلى التدقيق في فهم قرار الاتحاد الأوربي بتعديل أسعار دخول الفواكه والخضر المغربية إلى الأسواق الأوروبية، لأن الاكتفاء بتوصيفه زمنيا وقانونيا بكونه مفاجئ وأحادي، ويتناقض مع التزامات الاتحاد الأوربي داخل منظمة التجارة العالمية، ويتجاهل مقتضيات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي، هذا التوصيف لا يقدم سوى بعض المعطيات التي تعين على فهم القرار وبحث دلالاته وآثاره على مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوربي والمغرب، ومن ذلك أن الأمر حين يتعلق بمصالح الاتحاد الأوربي، فإن الاتفاقات المبرمة تصير مجرد أوراق لا قيمة لها، ومنها أيضا هشاشة هذه الاتفاقات بسبب عدم إحساس الاتحاد الأوربي بأي موقف مغربي قوي يحصنها. ما نحتاج إلى فهمه هو البعد السياسي في القرار، لأن توقيت اتخاذ القرار، والذي أعقب جولات ماراطونية طويلة من أجل إقرار الاتفاق مع المغرب، يؤكد بأن البعد التجاري في الموضوع كان هامشيا حتى مع الضغوط التقليدية لبعض الدول الأعضاء التي تنافس الصادرات المغربية منتوجاتها، وأن هناك اعتبارات أخرى تدخلت بقوة لتجعل الاتحاد الأوربي يزيح من حساباته كل الاتفاقات المبرمة لمجرد إيلام المغرب في هذه الظرفية الدقيقة. نعم، صدرت عن الناطق الرسمي باسم المفوض الأوربي المكلف بالفلاحة والتنمية المستدامة السيد روجي ويت الاثنين الماضي بعد لقائه برئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ووزير الفلاحة والصيد البحري السيد عزيز أخنوش، تصريحات تفسر بشكل دبلوماسي القرار المتخذ، وكونه لا يستهدف المغرب فقط، وإنما يستهدف دول العالم الثالث كلها، كما عبر عن تفهمه ل"لانشغالات" المغربية المبررة، وعبر عن استعداده لمواصلة المحادثات بهذا الشأن، لكن هذا النوع من المجاملات التي لا تغير في الواقع شيئا، لا يمكن أن تخفي الحقيقة، فأن يكون النظام السابق المعتمد للأسعار محط انتقادات شديدة من طرف بعض الدول الأعضاء لا يبرر الإقدام على إبرام اتفاق شراكة مع المغرب استنزف طاقات كبيرة وجهود مضنية وزمنا طويلا، كما لا يبرر خرق الاتفاقات المبرمة، والإعلان عن القرار من جانب واحد ومن غير أي تشاور، كما أن مواصلة المحادثات يلزم أن تحصل قبل القرار وليس بعده، أما حكاية التعميم، والحديث عن العالم الثالث، فالجميع يعرف بأن المغرب هو الذي يتمتع بالوضع المتقدم، وهو المتضرر الأول من هذا القرار. نحتاج في هذه المرحلة أن نقرأ هذا القرار بدقة، وأن نبحث البعد السياسي فيه، حتى يكون الجواب عنه صحيحا، إذ لا يمكن أن يستمر المغرب في سياسة تلقي الضربات والصفعات، وهو يستمسك بمنطق الحوار ومواصلة المحادثات والرهان على فهم الآخر للانشغالات والقلق الذي نعبر عنه. نعم هناك إكراهات تقيد إمكانات المغرب على الرد، لكن ليس إلى الدرجة التي تفقده بعض الخيارات القوية، فثمة، مصالح مشتركة تجمعنا بالاتحاد الأوربي، و أرقام المعاملات التجارية التي تربطنا به تحتل الصدارة، وما يلزمنا في هذه الفترة بالذات، هو أن يقع التحول من منطق مسايرة هذه القرارات والبحث عن تخفيف ضررها، إلى التفكير في قرار سيادي يحصن المصالح المغربية ويدفع الاتحاد الأوربي إلى تقدير رد الفعل المحتمل من المغرب قبل الإقدام على مثل هذه القرارات. ثلاث أشياء ينبغي أن نستفيدها من هذا القرار، أولها أن وضع البيض كله في سلة الاتحاد الأوربي من غير البحث عن خيارات أخرى – شركاء آخرين- يجعل الصادرات المغربية رهينة لدى دول الاتحاد الأوربي، ويضعف القوة التفاوضية للمغرب، كما يضعف مصالحه الوطنية الحيوية، أما الأمر الثاني، وهو أنه حان الوقت لتقييم ما يسمى بالوضع المتقدم للمغرب مع أوربا، وماذا يعني بلغة الأرقام التجارية، وما ميزان الكسب والخسارة فيه، أما الأمر الثالث، فيتعلق بالجانب الدبلوماسي، فكيف وقع ما وقع؟ و أين كانت الدبلوماسية المغربية حتى يتم توصيف القرار بأنه مفاجئ ولم يتم التشاور بشأنه؟ وهل الانتظارية مبررة في مثل هذه الملفات؟ وهل لم يكن للمغرب خيار للضغط قبل إقدام الاتحاد ألأوربي على هذا القرار؟ نعم نحتاج إلى موقف سيادي قوي، لكننا في الوقت ذاته نحتاج إلى أن تتحمل الدبلوماسية المغربية مسؤوليتها كاملة في التنبيه ودق ناقوس الخطر ليكون للمغرب سعة من وقت للتكفير في الخيارات المتاحة قبل أن يضطر إلى التعامل مع الأمر الواقع.