احتفل المغرب كباقي دول العالم باليوم العالمي للمرأة، يتم تمجيدها والحديث عن أعمالها البطولية في جميع مناحي الحياة اليومية ومجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ويستحضر آخرون معاركها السياسية والاجتماعية التي خاضتها من أجل تحقيق حقوقها وضمان كرامتها، طبعا الحديث هنا عن المرأة الحضرية لا القروية، هذه الأخيرة لا تعرف لا ثامن مارس ولا اليوم العالي للمرأة، يحدث هذا اليوم في ظل إقرار الخطة الحكومية "إكرام" للمساواة، ونساء العالم القروي يشكلن أحيانا أزيد من 90 بالمائة من سكان الإقليم الواحد. إقليم تاونات من أقاليم المملكة الذي يغلب عليه الطابع القروي، يبلغ عدد سكانه، 679 ألف نسمة، حسب معطيات آخر إحصاء عام للسكان، منها 607 ألف نسمة في العالم القروي، ليشكل بذلك سكان العالم القروي أزيد من 89 بالمائة من سكان الإقليم، فما حظهم من برامج التنمية البشرية والبرامج المندمجة للنهوض بالعالم القروي. ولتسليط الضوء على جزء من واقع المرأة القروية، والبحث عن مدى استفادتها من برامج مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية بالعالم القروي، وفي مقدمتها وزارتي الفلاحة والصيد البحري ووزارة الداخلية، زارت جريدة التجديد الاقليم و أعد مراسلها هذا الروبورتاج التالي: مراسلة خطة إكرام توصلت المصالح الجهوية والإقليمية والمحلية، للقطاعات الحكومية المعنية بالخطة الحكومية للمساواة "إكرام" في أفق المناصفة (2012/2016)، قبل أيام، برسالة مرفقة بالخطة الحكومية التي تتضمن ثمانية مجالات و24 هدفا و157 إجراء، وأصبحت تلك المصالح مطالبة بتقديم تقرير عن ما أنجز وما سينجز في إطار تنفيذ الخطة الحكومية، مصدر مسؤول قال ل"التجديد"، أنه من الصعب تحديد نسبة المستفيدات مثلا من برامج تأهيل العالم القروي، على اعتبار أن تلك البرامج لا تفرق بين الجنس المستفيد. غياب المعطيات الدقيقة عن مدى استفادة المرأة القروية من مختلف البرامج التنموية التي تستهدف العالم القروي، لم يمنع من الاستمرار في البحث وتسليط الضوء على واقع المرأة القروية، ومدى استفادة العالم القروي برجاله ونسائه وشبابه وشاباته وأطفاله من برامج السياسة العمومية على مستوى الإقليم، لنقدم بذلك صورة مقربة لنصيب المرأة القروية "التوناتية" من برامج الدعم والتنمية. وستكون وزارة الفلاحة والصيد البحري، القطاع الحكومي المعني أكثر بالعالم القروي، مطالبة بتنفيذ عدد من الإجراءات نصت عليها الخطة الحكومية، منها "تعزيز ودعم التكوين المهني النسوي"، و"إذكاء روح المقاولة والاستثمار لدى النساء حاملات المشاريع"، و"تسهيل ولوج النساء العاملات إلى أنشطة مهنية في بنيات الإنتاج والتسويق"، و"تشجيع إحداث التعاونيات ومواكباها"، و"وضع تدابير تنظيم وحدات الإنتاج غير المهيكل بالنسبة للنساء، عبر الرفع من الأنشطة المدرة للدخل التي أنشأتها النساء". كان لزاما علينا ونحن نبحث في مدى استفادة المرأة القروية من البرامج الحكومية التي تستهدف العالم القروي، أن نحدد المتدخلين الرئيسيين أولا، الذي يستهدفون العالم القروي بالبرامج ويرصدون من أجل ذلك ميزانيات مالية مهمة، وتعتبر الهيئة الإقليمية للتنمية البشرية بإقليم تاونات، الفاعل الرئيسي في هذا المجال، إضافة إلى المندوبية الإقليمية لوزارة الفلاحة والغرفة الفلاحية لجهة تازةالحسيمة تاونات، هذه الأخيرة رصدت للمشاريع المدرة للدخل، على مدى الخمس سنوات الماضية، حوالي ثلاث ملايين درهم، بينما خصصت لتنمية سلاسل الإنتاج النباتي والحيواني أزيد من مليون و800 ألف درهم، خلال نفس الفترة. التنمية البشرية بلغ عدد المشاريع المنجزة أو التي هي في طور الإنجاز أو التي صادقت عليها الهيئة الإقليمية للتنمية البشرية على مستوى إقليم تاونات ولم تنجز بعد، خلال الثماني سنوات الأخيرة، ما مجموعه 625 مشروعا بغلاف مالي إجمالي، يقدر بحوالي 214 مليون و821 ألف درهم، حسب معطيات رسمية حصلت عليها "التجديد"، وكانت حصة القطاع الفلاحي منها، (الأنشطة المدرة للدخل)، 130 مشروعا، بغلاف مالي بلغ 23 مليون و552 ألف درهم، ليحظى بذلك القطاع الفلاحي بحصة لم تتجاوز 11 بالمائة من القيمة المالية الإجمالية المرصودة لجل القطاعات، واستفاد من هذه المشاريع المدرة للدخل 8464 مستفيد ومستفيدة. أنيسة زعبول، رئيسة جمعية النهضة للمرأة القروية بالجماعة القروية لبني وليد، تسجل أن هناك صعوبة لاستفادة المرأة القروية بشكل مباشر من مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وقالت الفاعلة الجمعوية في حديث ل"التجديد"، "المرأة القروية لا يمكنها أداء المساهمة الإلزامية المتمثلة في 30 من قيمة المشروع المدر للدخل، من أجل الاستفادة من مشاريع التنمية البشرية"، وسجلت المتحدث بأسف ما اعتبرته "اختلالات في تفويت المشاريع لجمعيات وتعاونيات دون أخرى"، وقالت "هناك الزبونية في قبول المشاريع"، مؤكدة صعوبة الاستفادة المباشرة للمرأة القروية لاعتبار أساسي، المتمثل في "فقدان الثقة في الجمعيات التي لها الحق في الاستفادة من المشاريع"، ولفتت الفاعلة الجمعوية الانتباه أخيرا إلى "غياب التتبع للمشاريع المدرة للدخل التي تحصل على تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. مردودية البرامج مع طلوع شمس صبيحة كل يوم، تدب الحركة في المراعي والحقول، وتنتشر النساء القرويات للعمل، منها من ترعى الغنم والمعز، ومنها من تحمل أكواما من الحطب على ظهور أجسادهن النحيفة، ولا ينتهي بهن هذا الكفاح إلا مع غروب الشمس أو بعده بقليل. التقينا بعضهن على بعد نحو 30 كلمترا في اتجاه منطقة اكتامة، قرويات تعلو وجوههن آثار قساوة الحياة، كان عددهن أربعة، منهمكات في جمع الكلأ للغنم والبقر، "فاطمة" لا تعرف شيئا عن ثامن مارس، ولا عن برامج دعم العالم القروي، والنهوض بوضع المرأة القروية، سألناها، هل تعلمين أن هناك برامج موجهة للعالم القروي وأن هناك دعم يُستفاد منه عن طريق الجمعيات والتعاونيات، سكتت قليلا ثم قالت، "لا لا.. لا يصلنا شيء، نحن نشتري الماعز والبقر من التعاونيات، بينا البعض تمنح لهن مجانا"، تدخلت أخرى لتؤكد أن إحدى التعاونيات جلبت للمنطقة فرنا كهربائيا لطهي الخبز بهدف التسويق، لكنها تشدد على أن المحظوظات فقط من دعين للعمل والمساهمة في الإنتاج. وماذا عن حظهن من برامج محو الأمية؟ يجيب مصدر مسؤول بأن برامج محو الأمية بالمنطقة كثيرة ومتعددة المتدخلين، لكن بحكم الطابع القروي للإقليم، يصعب أحيانا تنفيذ البرامج كما خُطط لها، وكشف عن وجود حالات لنساء قرويات استفدن من برامج محو الأمية، على الورق فقط، حيث تأكد أنهن حصلن على الشواهد فقط، دون الاستفادة من دروس محو الأمية، فهن موجودات في اللوائح الرسمية التي تقدم بعد نهاية البرنامج، لكن حين سئلن عن مدى استفادتهن، أجابت إحداهن، "حضرت مرة واحدة فقط بالتزامن مع زيارة لجنة للمراقبة". الخلل في الاستهداف جميلة جلال، مشرفة على مركز للاستماع للمرأة والطفل بأزيلال سابقا، ورئيسة نادي شمس للمرأة والطفل بتاونات حاليا، ترى أن "السياسة العمومية الآن مطالبة بتطبيق المقاربة التشاركية أثناء إعداد البرامج"، تضيف الفاعلة الجمعوية في تصريح ل"التجديد"، "نعم هناك برامج تستهدف المرأة القروية، لكن التساؤل الذي يطرح، هل هذه البرامج تحقق الحد الأدنى من احتياجات المرأة القروية؟، بالتأكيد لا"، تضيف قائلة، " المقاربة التشاركية وحدها الكفيلة لإدراك الحاجيات الحقيقية للمرأة القروية". وتشدد الفاعلة الجمعوية على أن "الإشراك يجب أن يتم من التشخيص إلى التقييم"، مشيرة إلى وجود جمعيات صفراء تأسست مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بهدف الاستفادة من تمويل المشاريع"، وطالبت الفاعلة الجمعوية ب"التمكين الحقيقي للمرأة المغربية، بدل سياسة تأثيث المشهد بالمرأة، سواء على مستوى المجالس المنتخبة أو الجمعيات". الفتاة القروية دور الطالبات بالإقليم، تعتبر دعامة أساسية للنهوض بالفتاة القروية بالإقليم الذي يتوفر على 34 دارا للطالبة، أجرت العمالة دراسة مؤخرا للوقوف على وضعيتهن، وحسب التقرير الذي أعده الخبراء، حصلت "التجديد" على نسخة منه، تعاني أغلب دور الطالبات من الاكتظاظ، حيث يتجاوز عدد المقيمات بهن الطاقة الاستيعابية بكثير، وتصل أحيانا إلى أزيد من الضعف، كما هو الشأن بالنسبة لدار الطالبة عين بوراس، التي تبلغ طاقتها الاستيعابية 40 سريرا بينما تستقبل 89 فتاة قروية، كما سجل التقرير ضعف في البنيات التحتية عموما، ونقص في الأطر التربوية والإدارية. واستعرضت الدراسة الحاجيات التقنية والمالية لكل دار طالبة. لتخصص العمالة أزيد من 30 مليون درهم، في إطار مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتأهيل وإصلاح دور الطالبات الموجودة، أو بناء أخرى جديدة لسد الخصاص ووضع حد لظاهر الاكتظاظ، وفق برنامج شامل ل"بناء وتأهيل وتجهيز دور الطالب والطالبة". وفاء عزاوي، رئيسة نظمت جمعية الوحدة المشرفة على تسيير دار الطالبة بتاونات، قالت ل"التجديد"، إن احترام الحقوق الأساسية للمرأة والفتاة القروية دعامة لكل مشروع تنموي، وشددت المتحدثة على أن "العنصر النسوي هو محور التنمية المستدامة"، مسجلة وجود مبادرات للارتقاء بمستوى وضعية المرأة من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، تضيف المتحدثة، "بكل صراحة تحسنت ظروف الفتيات المتمدرسات، وخصوصا القرويات منهن، واللواتي حصلن على مأوى خاص يساعدهن على متابعة دراستهن". واعتبرت الفاعلة الجمعوية، أن برنامج بناء وتأهيل وتجهيز دور الطالب والطالبة بإقليم تاونات، "دعامة أساسية لمحاربة الهشاشة والحد من الهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتاة القروية"، مشيرة إلى أن "دار الطالبة هي مؤسسة تربية تعليم وتدريب، فهي مدرسة ترقى بالفتاة إلى مستوى يمكنها من اتخاذ القرارات و تحمل المسؤولية". وترى رئيس الجمعية المسيرة لدار الطالبة بتاونات، أن المهمة الأسمى لدور الطالبات تتمثل في "توفير الشروط الضرورية لتمدرس الفتيات المنحدرات من الوسط القروي عامة والمعوزات على وجه الخصوص، وبالتالي المساهمة في الرفع من مردودية المنظومة التربوية عن طريق تحسين نسب التمدرس والحد من ظاهرة الهدر المدرسي". تجارب ناجحة لكنها محدودة تعتبر المشاريع المدرة للدخل، بديلا عن المساعدات النقدية الدورية للأسر المحتاجة أو المساعدات الغذائية الموسمية، ويرى الخبراء أن تركيز الجهد على تمويل مصدر للدخل للأسر الفقيرة، لتعول نفسها بنفسها له فوائد جمة، فهو يقيها مذلة السؤال الدائم والانتظار الدوري للمساعدات الصغيرة التي قد تنقطع يوما ما، كما أنه يقي الأسرة شر الاتكال على الغير. ولا يخلو الإقليم من تجارب ناجح في هذا المجال، وتخوض نساء قرويات رغم محدودية عددهن، تجارب مهمة مكنتهن من كسب رهان مهم، في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. مسؤولة في إحدى التعاونيات التي استفادت من تمويل مشروع للنحل والعسل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أوضحت أن التعاونية "شكلت ملاذا للعدد من النساء القرويات اللواتي أصبحن يشتغلن في ظروف ملائمة، مما ساعدهن على تحسين مستواهن المعيشي"، تضيف المتحدثة، "عملنا تطور ونما بما سمح لنا بتسويق منتوجاتنا، إلى المدن المجاورة"، وترى أن "المرأة القروية بدأت تدرك قيمة دورها في عجلة التنمية، وتؤمن بقدراتها الشخصية".