بمداخل البنوك، والمستشفيات، والمؤسسات التعليمية والمصحات الخاصة والسفارات والقنصليات..أشخاص يلفتون النظر إليهم ببنيتهم الجسمانية وطول قامتهم، ونظراتهم الثاقبة حتى يخيل للمرء أنه أخطأ العنوان وأنه أمام تكنة للأمن...ببذلات رسمية وأجهزة الراديو اللاسلكي، وأحيانا أجهزة الرصد المغناطيسي، يستقبل "حراس الأمن" أو "السكيريتي" المواطنين الذين يقصدون بعض المؤسسات العامة أو السفارات لقضاء مآربهم، وإن كان الأمن مطلب الجميع..كما تفتح قائمة شخصيات من عالم المال والشهرة، التي تزور المغرب، شهية شركات الحراسة الخاصة للتنافس من أجل ضمان الأمن لهم بمبالغ مهمة..إلا أن بعض "حراس الأمن" صاروا يمارسون الترهيب والتخويف في حق المواطنين..تعامل يجعلنا نتوقف مليا أمام عدد من التساؤلات، ما هي حدود عمل حراس الأمن الخاص، هذا القطاع الذي فرضته التحولات الاجتماعية إلا أنه ظل مفتوحا في وجه من لا مهنة له، وما هي الإكراهات التي يعيشها حارس الأمن في ظل قانون من المفترض أن يقدم حماية لهم؟ حراس ..ولكن أدى ارتفاع معدل الاعتداءات والسرقات التي طالت عددا من المؤسسات العمومية والخاصة، المحلات التجارية، إلى ظهور شركات أمنية خاصة للإستعانة بخدماتها لاستثباب الأمن، إلا أن بعض الحراس الخاصين وعوض حراسة المكان، يمارسون العنف في مواجهة بعض المواطنين خاصة أمام أبواب المستشفيات أو المصحات الخاصة وكأن الحراسة الأمنية مرادف للعنف والقمع والتعامل السيئ. مكرم، البالغ من العمر 34 سنة وفي حديث مع "التجديد" اعتبر أن "مهنة تبدو بسيطة في ظاهرها كونها لا تتطلب سوى الجهد العضلي، إلا أنها غير مؤمنة، فالحارس يواجه خطرا كبيرا خاصة خلال الحراسة الليلية حيث يكون الحارس مجردا من أي سلاح فيما قد يصادف لصا أو لصوصا يحملون السيوف، وهو ما أعيبه على القانون المتعلق بالأمن الخاص حيث تم حذف فقرة السماح لرجل الأمن الخاص حمل السلاح وترك ذلك بيد رجال الأمن الرسميين وهو ما يعتبر إجحاف لمهني قطاع الأمن الخاص". أكد "مكرم" الذي نال شهادة الإجازة في الحقوق منذ سنوات، وفضل العمل منذ سنتين في شركة خاصة كحارس للأمن خلال الليل للهروب من شبح البطالة (أكد)ل"التجديد"، أن "بعض المواطنين يفرضون مثل ذلك التعامل، وإلا ما جدوى وجود حارس على باب مؤسسة أو شركة أو مصحة إذا تركنا باب المصلحة مفتوح في وجه الجميع وبدون أي ردع". واقترح "مكرم" الحديث عن الفوضى العارمة التي تعيشها المهنة عوض الحديث على بعض المواجهات العرضية التي تحدث بين الحين والآخر بين المواطنين وحراس الأمن على اعتبار أنها لا حالات ناذرة، قائلا:"حراس الأمن الخاص، أناس بسطاء، يعانون من ظلم مشغليهم ولا أضنهم يقصدون ممارسة أي عنف ضد الآخرين، وبعض الشنآن الذي يحدث أحيانا تكون أسبابه سوء الفهم، أو محاولة بعض الفئات من المواطنين خرق النظام المعمول به في مؤسسة معينة..في الحقيقة لازلنا نعاني منسوء التنظيم وبالرغم من لغط الكثيرين بضرورة التغيير إلا أننا نحتاج إلى تغيير ذواتنا أولا" يضيف مكرم بابتسامة عريضة. واقترح "مكرم" أن تفرض الدولة على الشركات الخاصة التي تعمل في هذا القطاع ضرورة تدريب وتأهيل الذين يعملون معها قبل مباشرتهم عملهم، على اعتبار أنها مهنة شريفة مثل أي مهة أخرى فقط تفتقر إلى احترام الآخرين(المواطنين)، وإلى قانون حقيقي يستطيع حماية ممتهنيها من طمع أرباب العمل، بالإضافة إلى لوازم العمل..بعد لحظات تأمل، استرسل "مكرم" كلامه بابتسامة ماكرة ليعيدنا إلى الحديث عن التعامل السيء لبعض الأمن الخاص، لكن من الجانب الآخر، مشيرا إلى أن هؤلاء يعملون في صمت بالرغم من الخطر المحدق بهم في كل حين، يقول:"حارس الأمن الليلي وحتى حراس الليل يتوقعون استقبال كل المواطنين، السوي منهم والمجنون، والمكتئب واللص والمؤدب وغير مؤدب...وليس بيدهم من سلاح سوى كلمات ونظرات ثاقبة لردع المخالفين..فلماذا نؤاخذ من يتصرف منهم بغلاظة مع شخص لا يريد الانضباط لقوانين مؤسسة ما..نحن أناس بسطاء لا حول لنا ولا قوة نكون في فوهة المدفع حين يداهم الخطر المؤسسات التي نشتغل فيها. قانون خارج الإطار تفجر أثناء المصادقة على القانون رقم 27.06، بتاريخ 30 نوفمبر 2007، بشأن شركات الحراسة ونقل الأموال نقاش ساخن حول ضرورة الترخيص للحراس الأمنيين بحمل السلاح، حيث كان الرفض جوابا مناسبا لهذا الطرح، الشيئ الذي تؤكده اليوم بعض التعاملات السيئة اليوم من قبل حراس الأمن في مواجهة المواطنين بسبب وبدون سبب أحيانا. واقتصرت وسائل عمل الحراس الخاصين على ارتداء بذلات شبه رسمية، وحمل أجهزة الراديو اللاسلكي، وأجهزة الرصد المغناطيسي، أو استخدام الكلاب المدربة بالنسبة للحراس لليليين. ومن أجل حماية الحراس الأمنيين، حدد القانون الأسلحة ووسائل الدفاع المرخص بحملها واستعمالها أثناء ممارسة أعمال الحراسة ونقل الأموال مثل (الهراوات من نوع "عصي الدفاع" أو "طونفا"، المولدات النضاحة التي تصيب بالوهن أو تسيل الدموع)، لكنه لم يرخص باستعمال الأسلحة المذكورة إلا في حالة الدفاع الشرعي، ويمكنهم الاحتفاظ بالشخص المشتبه في ارتكابه لجريمة إلى غاية وصول عناصر الشرطة، أو الدرك، أو سياقته إلى أقرب مركز شرطة، طبقا لمقتضيات المادة 76 من قانون المسطرة الجنائية. ويجوز لمقاولات أعمال الحراسة ونقل الأموال تحديد بذلة المستخدمين أثناء ممارسة مهامهم، غير أنه لا يجب أن تحدث البذلة المذكورة أي التباس مع البذلات المنظمة بموجب أحكام تنظيمية ولاسيما منها بذلات القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة والجمارك والمياه والغابات وإدارة السجون. لكن وبالرغم من انتزاع مهنيي هذا القطاع لاعتراف رسمي بهم، إلا أن الواقع بعيد عما سطرته القوانين، فلا يتمتع جل العاملين في هذه الشركات بحق التصريح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، بل يشتغل معظمهم في "النوار" أو خارج إطار القانون يقول "أحمد"، الذي يعمل كحارس أمني بمؤسسة خاصة، معبرا عن تذمره من الأوضاع المزرية التي يعيشها مهنيو هذا القطاع. بألم وحسرة تحدث "أحمد" ل"التجديد" عن تجربته كحارس خاص بإحدى المؤسسات يقول:" هل يتصور عاقل أن مبلغ 1800 درهم شهريا سيكفي أسرة تتألف من والدين أنهكتهما برودة الجدران ولزمهما المرض وزوجة وولدين...كل الأسرة معطلة، وبهذا المبلغ البسيط أعتبر نفسي معطلا أيضا. وعزا "أحمد" موقف أصحاب شركات الأمن الخاص المتعلق بعدم تسوية أوضاع معظم من يشتغل معهم إلى إقبال فئة عريضة من الراغبين في العمل بهذا الميدان خاصة الشباب العاطل الذي يرى في هذه الشركات ملاذا لتوفير لقمة العيش ولو بشكل مرحلي. "يتوافد على شركات الأمن الخاص آلاف الشباب المتمدرس وغير متمدرس، الجامعيون، وجنود وأمنيون سابقون..ومن تم فالعرض أكثر من الطلب ومن حاول التعبير عن الظلم الذي يمارس عليه من طرفهم يكون مصيره الباب..والقانون الذي يتحدث عنه الإعلام لم يحمي إلا أرباب العمل أما الكادحين مثلي ممن لا حول لهم ولا قوة ولا مصدر آخر لهم للعيش..فلهم الله". شركات الأمن الخاص في تزايد..لكن "أوضاعنا المادية جد متدهورة، الأجور لا تتعدى الحد الأدنى للأجور لدى معظم العاملين بهذا القطاع، في حين نعمل 12 ساعة بدون توقف..نحتاج إلى قانون آخر يحمي حقوقنا وحقوق أبنائنا.." بهذه الكلمات ارتأى "أحمد" إنهاء الحديث عن الأمن الخاص في ظل قانون لم يستطع وضع حد لحالة التسيب والفوضى التي تعرفها شركات الأمن الخاص، قانون لم يستطع تفعيله على أرض الواقع أن يقود القطاع نحو المهنية والتنظيم.