لقد كان الزواج المبكر شائعا في المجتمعات الإسلامية وينظر إلى الزواج المبكر بالنسبة للفتاة في المجتمع التقليدي كحادث مشرف بالنسبة لحياة المرأة، و كان الآباء يدفعون ببناتهن إلى معترك الحياة الزوجية في سن مبكر لا يتلاءم و متطلبات حياة زوجية سليمة... وكان القضاة لا يشترطون سنا معينة في الزواج .في حين أن الشريعة الإسلامية كانت تقيس أهلية النكاح بالبلوغ الشرعي، أما القانون الوضعي فيوجب اكتمال سن معينة. والغريب أن المالكية اشترطوا أن يكون كل من الزوجين متما للثامنة عشرة من عمره؛ أما مدونة الأحوال الشخصية الملغاة حددت أهلية النكاح في 18 سنة بالنسبة للذكر وفي 15 سنة بالنسبة للأنثى واستثناءا أجازت تزويج الفتى بإذن من القاضي إذا خيف العنت. لكن الزواج يتطلب أهلية ونضجا وقدرة لإدراك قدسيته ومدى جسامة مسؤوليته وتحمل تبعاته من اجل تكوين أسرة مبنية على أسس سليمة تكفل لها الحفاظ على تماسكها واستقرارها ومؤهلة لان يتقاسم فيها الزوجان مسؤولية تدبيرها بما يسعدها ويخلق أجواء الألفة والمودة والمعاشرة بالمعروف ولهذه الغاية رفع المشرع –في مدونة الأسرة –سن الزواج بالنسبة للفتاة من 15 إلى 18 وسوى بينها وبين الفتى تحقيقا لما ذكر وتفاديا للأخطار الجسمية والنفسية و الاجتماعية التي قد تترتب عن الزواج المبكر وانسجاما مع المواثيق الدولية. ولقد ألغيت الاختصاصات المخولة للسيد قاضي التوثيق في ميدان تزويج القاصرين وأعطيت لقاضي الأسرة المكلف بالزواج إلا أن هذا التحديث أغفل الإشارة إلى نطاق السلطة التقديرية المخولة إلى هذا الأخير و كذا إلى نطاق اختصاصه الترابي و هو موضوع ذو أهمية نظرية بالغة لما يكتسيه من راهنية أمام موجة الانتقادات الحقوقية التي ظهرت اثر نشر الإحصائيات المرتبطة بأذون تزويج من يبلغوا سن الزواج. ولاتخفى أهميته العملية بالنسبة للسادة الممارسين ومساعديهم وعموم المهتمين بشؤون الطفل بالمغرب. وإخترنا لمعالجة الموضوع الإجابة على التساؤلين التاليين: هل يتوجب تحديد الاختصاص المحلي بموطن أو محل إقامة أب القاصر(ة)؟ في مرحلة أولى قبل أن نتطرق لحدود السلطة التقديرية لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أومدى وجوب إعتماد السن كعنصر موضوعي أساسي موحد للإذن بزواج القاصر(ة) في مرحلة ثانية أولا: هل يتوجب تحديد الاختصاص المحلي بموطن أو محل إقامة أب القاصر(ة) تعرف بعض المحاكم تزايدا لطلبات تزويج من لم يبلغ سن الزواج ويرجع ذلك إلى أن بعض السادة القضاة يتشددون في منح الإذن بزواج القاصر(ة) في حين أن آخرين يعمدون إلى تبني اتجاه المرونة وعدم التشديد على الموطنين في هذا الجانب . وتصاعدت أصوات تفيد أن هذه الظاهرة غالبا ما تلفها ممارسات غير قانونية وفي بعض الأحيان تلاعب بالوثائق المثبتة لمحل الإقامة يواجه بعدم الاكتراث لهذا التحايل في بعض الحالات. والقول في هذا الإشكال إتجاهين:إتجاه يقول أن الاختصاص المكاني غير محدد بالنسبة لهذه الطلبات فضلا على أنه هو ليس من النظام العام وبالتالي فلا مانع قانوني من قبول فتح ملفات أذون تزويج من لم يبلغ سن الزواج : وذلك حتى بالنسبة لمن يقدمون من مناطق نائية قد تصل إلى مئات الكيلومترات على إعتبار أن لافارق بين زواج الرشداء وزواج القاصرين وان الأصل هو الإباحة ما لم يوجد نص مخالف وان الأمر يتعلق بمجرد طلبات وليس دعاوي تخضع لمبادئ المسطرة المدنية والتنظيم القضائي. إتجاه يرتاي العكس ويقول أن الأمر يتعلق بدعوى نيابة قانونية يجب أن ترفع أمام محكمة موطن القاصر(ة) و الذي هو موطن وليه في الأصل و في جميع الحالات يتعلق الأمر بدعاوي يجب أن ترفع من مدعي ضد مدعى عليه: وهنا يثار إشكال من هو المدعى عليه؟ أهو القاصر المطلوب تزويجه؟أم النيابة العامة؟ أو من له الحق أو الصفة. ورواد هذا الاتجاه يعتمدون على مبدأ التقاضي بحسن نية باعتبار أن طالبي الإذن يعمدون إلى رفع عدة دعاوى لدى عدة أقسام قضاء أسرة(القضاة المكلفين بالزواج) إلى حين أن تتم قبول طلباتهم إما من فرط الإصرار وكثرة المقالات أو حسن اختيار القاضي الأقل صرامة. هنا مجموعة من الفصول اقترحها لمواجهة مثل هذه الدعاوي لا سيما: -المادة 31 من قانون المسطرة المدنية التي توجب تحديد الطرف المدعي من المدعى عليه و كذا الفصل 32 من نفس القانون و الذي يوجب إنذار الطرف المدعي بالإدلاء بالعناوين الصحيحة و بتصحيح المقال. -الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية الذي يتحدث عن التقاضي بحسن نية. -الفصل 28 فقرة 12 و التي تنص على انه تقام دعاوى انعدام الأهلية أمام محكمة موطن عديمي الأهلية- الأمر يتعلق هنا بالقاصر(ة)- و التي هي في الأصل محكمة موطن الأب أو الأم في حالة الطلاق أو الوفاة . -المادة 27 من قانون المسطرة المدنية التي توجب رفع الدعوى في محل إقامة المدعى عليه. والتساؤل الذي يثار هنا من هو المدعى عليه؟ أهو القاصر؟ أم النيابة العامة لموطن القاصر(ة) باعتبارها الأقرب لأعراف وتقاليد المنطقة؟ وفي رأيي أن النيابة العامة لموطن القاصر(ة) تعتبر مدعى عليها في هذا النوع من القضايا لكونها تمثل النظام العام الأسري فضلا على اعتبارها طرفا أصليا في قضايا الأسرة. وهي تلعب دورا رئيسيا في مواجهة التحايل والتدليس من بعض المتقاضين ذوي النيات السيئة والذين قد تعميهم المصلحة عن مخاطر اللجوء إلى مثل هته الممارسات؛ لما للنيابة العامة من سلطات في تحريك الدعوى العمومية أوالتلويح بتحريكها مع كل ما يترتب على ذلك من تقليل لمثل هذه الدعاوي التي تؤثر في رأيي سلبيا على نشاط أقسام قضاء الأسرة. مجموعة من التقنيات المسطرية أقترحها في هذا الصدد: *توفير مطبوع خاص يحدد هوية المدعي (ة) وعنوانه...والقاصر وعنوانه.... وهوية المدعى عليه. *اعتبار النيابة العامة، لموطن المدعي أوفي غيابه لمحل إقامته، كونها المدعى عليها في مثل هاته الدعاوي لأنها تحمي النظام العام الأسري و الجنائي. *إلزام الأطراف بالإدلاء بشواهد سكنى واضحة لايكتنفها غموض أو عبارات تنسف قيمتها الإدارية – يقطن خلال العطلة الصيفية ،يتراود على فلان، سلمت لتجديد بطاقة التعريف الوطنية... *الرجوع دوما إلى عقد زواج والدي القاصر(ة) باعتباره وثيقة عادة ما يدلي بها الأطراف ويغفلون أنها تشير إلى عناوينهما وكذا إلى العنوان الوارد في النسخة الكاملة من رسم ولادة القاصر(ة) باعتبارها تتضمن عنوان المصرح بالازدياد مع وجوب الإشتراط أن تكون حديثة الإنجاز. *التأكد من الاختصاص المكاني و الوثائق المثبتة له تلقائيا من طرف قاضي الأسرة المكلف بالزواج ؛ بغض النظر عن أي التزام أدبي بالحياد قد يجر عليه ما هو في غنى عنه من مساءلات في حالة وقوع أي شكاية بالزور. هذا عن الاختصاص المحلي، فماذا عن الاختصاص الجوهري و حدود السلطة التقديرية لقاضي الأسرة المكلف بالزواج؟