موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        الرباط: إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة        ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد صدقي (الباحث في مجال البيئة والتنمية المستدامة والتنوع البيولوجي) ل«التجديد»: قضايا البيئة ظلت خارج الأولويات تخضع لمنطق التعامل الشكلي وللأساليب الاستعراضية
نشر في التجديد يوم 28 - 11 - 2013

يعتبر أحمد صدقي الباحث في مجال البيئة والتنمية المستدامة والتنوع البيولوجي أن المسألة البيئية ذات أهمية كبيرة على مستوى السياسات العمومية، نظراً لكونها تمثل مجالا أفقيا يتخطى الحدود القطاعية ويمثل قاعدة مشتركة لمختلف السياسات العمومية، وركنا أساسيا في ثلاثية التنمية المستدامة حيث أن هذه الأخيرة تمثل حيز المشترك بين مجالات كل من التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمحافظة على البيئة، ومجالا لأجرأة مقتضيات وقواعد الحكامة، خصوصا فيما يرتبط بتدبير الموارد الطبيعية. ومن هذا المنظور يؤكد المتحدث -عضو لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والماء والبيئة- في حوار ل»التجديد» أن مناقشة قضايا البيئة ضمن السياسات العمومية لبلادنا يتجاوز هذا التحديد القطاعي سواء من حيث المضامين والإجراءات أو من حيث الميزانية والاعتمادات.
● تماشيا مع الإطار الدستوري الجديد، ماهي أهم الالتزامات والتعهدات التي جاء بها البرنامج الحكومي في مجال البيئة؟
●● أولى البرنامج الحكومي الأخير ليناير 2012 وبشكل غير مسبوق أهمية كبيرة لقضايا البيئة والموارد الطبيعية، ونسجل من ضمن ما جاء به من التزامات وتعهدات، الالتزام الصريح بحماية وتثمين الموارد الطبيعية واعتبار الحكامة الجيدة مدخلا للمحافظة على البيئة والاستغلال المستدام للموارد الطبيعية، ومن ذلك مثلا الالتزام بتعويض أساليب التراخيص والامتيازات في مجالات استغلال المقالع والصيد البحري بدفاتر تحملات تقوم على أساس المساواة وتكافؤ الفرص. والالتزام بنهج سياسة بيئية متكاملة ومندمجة بإصلاحات جذرية مع تفعيل المخططات والاستراتيجيات ذات البعد البيئي، وخصوصا من ذلك التفعيل المؤسساتي والقانوني والإجرائي للميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. وإعطاء أهمية خاصة للموارد المائية وإقرار استراتيجيات تروم الفعالية والاستدامة في تدبيرها مع العمل على تثمين وضمان استدامة الثروة البحرية والغابوية. والالتزام بجعل المغرب وجهة سياحية مرجعية في مجال التنمية المستدامة. وكذلك العمل على تقليص التبعية الطاقية بتنويع مصادر الإنتاج وتخفيض الكلفة وتحسين النجاعة.
وارتكز البرنامج الحكومي إجمالا في هذا الموضوع على ثلاثة أسس، تتعلق بترسيخ مبدأ أفقية السياسة البيئية على المستوى المنهجي، والالتزام -وكأساس للتدبير- بالحكامة الجيدة المؤسسة على مبادئ الموضوعية والتكافؤ في استغلال الموارد البيئية والطبيعية، والعمل وفق مخططات وبرامج مندمجة محددة وواضحة المعالم. وعلى مستوى النص الدستوري الجديد، يمثل إطارا حقيقيا ومحفزا للنهوض بقضايا التنمية المستدامة في البلاد وإعطاء مختلف الحقوق ما تستحق من أهمية ومنها الحق في بيئة سليمة وأسس لمؤسسات ذات أهمية كبيرة بهذا الخصوص منها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
● ماذا ينتظر من مشروع القانون الإطار 12/99 الذي يعد بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة؟
●● مشروع القانون الإطار 99/12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، يكتسي أهمية خاصة لأنه سيمثل مرجعية أساسية لكل السياسات العمومية ببلادنا، مرجعية كانت مفقودة فيما مضى حيث كانت تلك السياسات موسومة بالعشوائية والارتجالية، كما أنه سيؤسس لاستراتيجية وطنية في مجال البيئة والتنمية المستدامة. وهذا القانون سيتم إقراره وفق مسار متكامل، بدأ بإشراك موسع تشاوري على المستوى الجهوي ثم خضع لاستشارة قطاعية وعرض على أنظار المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي بشكل طوعي قبل أن يحل بالبرلمان وأن يكون موضوع نقاش اللجنة بشكل مستفيض كما عرض على المتخصصين من خلال يوم دراسي بالبرلمان. ثم بعد كل هذا ولأول مرة سيكون هذا القانون بعد إجازته مدخلا تشريعيا لإقرار استراتيجية وطنية في البيئة والتنمية المستدامة ولأول مرة أيضا فهذا القانون سيجسد الطابع الأفقي للقضية البيئية ولمبادئ الاندماج والالتقائية في كل السياسات ذات الصلة. ومن شأنه أيضا أن يأتي بتدابير جديدة ونوعية ضمنها إقرار نظام للحكامة البيئية ونظام للمسؤولية البيئية، ووضع نظام جبائي بيئي ونظام للتحفيزات المالية وإجازة آلية الشرطة البيئية ونظام العلامة البيئية. ونحن في آخر مراحل إجازة هذا القانون ننوه بعمل الحكومة بهذا الخصوص وبعمل اللجنة الذي كان قويا ورائعا. كما ننوه بكل الفاعلين الذين ساهموا في مسلسل إطلاق الميثاق منذ سنوات.
● فيما يخص تحديات ورهانات القطاع تتحدثون كثيرا عن وجود إشكالات تشريعية وطنية، ما هي أهم هذه الاشكالات؟
●● المغرب يتوفر على ترسانة تشريعية في مجال البيئة والتنمية المستدامة ولكنها عموما تتميز بكونها متقطعة غير مندمجة غير كاملة وغير متكاملة، متقادمة ومتهالكة، ويمكن تصنيف هذه الترسانة إلى قوانين جيدة عموما ولكنها لم تفعل ومنها قانون الماء 10/95 الذي لم يصدر ما يلزم من النصوص التطبيقية لتنزيله بشكل يجسد قوة هذا النص الذي يعتبر أيقونة القوانين الوطنية في هذا المجال. وقانون رقم 13/03 الخاص بمكافحة تلوث الهواء والقانون رقم 22/07 الخاص بالمناطق المحمية. وهي قوانين قد تعتبر جيدة ولكن تطبيقها يستلزم إمكانيات مادية وخبرات تقنية وهو ما لم يتوفر. ونفس الشيء بالنسبة للقانون 28/00 الخاص بتدبير النفايات والتخلص منها.
ومن جانب هناك قوانين تم شل تطبيقها، ونذكر منها بالخصوص القانون الخاص بمراقبة استغلال المقالع 08/01، وقانون استصلاح البيئة 11/03 حيث لم تصدر قوانين تفصيلية لتنزيله. كما أن هناك قوانين يساء تطبيقها منها بالخصوص القانون 12/03 الخاص بدراسة التأثير البيئي، حيث ضعف الخبرة في الدراسات ونقص المسؤولية يجعل هذا القانون يطبق شكليا. بالاضافة إلى قوانين متقادمة لم تعد صالحة منها الظهير الشريف (1914) الخاص بتنظيم المحلات المضرة بالصحة والنصوص الخاصة بالملك الغابوي والأراضي السلالية.
● كيف تقيّم التزام المغرب بالتعاقدات والتشريعات الدولية في هذا الشأن؟
●● انخرط المغرب وتفاعل بشكل إيجابي مع مختلف التشريعات والاتفاقيات الدولية والتي نذكر منها بالخصوص اتفاقية التنوع البيولوجي الموقعة بريو دي جانيرو في 5يونيو 1992 وصادق عليها المغرب سنة 1995، وبروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث لمدريد 1994 وصادق عليها المغرب سنة 1999، والإعلان العربي عن التنمية المستدامة بجدة سنة 2001، والإعلان الإسلامي للتنمية المستدامة –منظمة الاسيسكو- جدة 2002. وسيساهم التزام المغرب بمقتضيات هذه التعهدات وبالشكل المطلوب لا محالة في النهوض بالسياسات البيئية الوطنية وفي تحسين وضع وصورة البلاد في المنتظم الدولي بهذا الخصوص.
لذلك يتوجب علينا أن نجعل ترسانتنا التشريعية توافق وتلائم هذه الالتزامات الدولية. كما يجب إصدار التقارير الدورية الخاصة بهذه الالتزامات بشكل منتظم وفعال، واستثمار مزايا القوانين الدولية ومختلف الاتفاقيات والاستفادة منها. فالعديد من هذه الاتفاقيات توفر آفاقا كبيرة للتعاون الدولي في هذه المجالات وتبادل الخبرات والحصول على المساعدة التقنية والعلمية.
● أثير خلال مناقشة الميزانية الفرعية لقطاع البيئة الحديث عن الإشكالات المؤسساتية، ماهي أهم هذه المؤسسات؟
●● مع الأسف، نسجل أن المؤسسات ذات العلاقة بالبيئة تعرف تعثرات كثيرة، فالمجلس الوطني للبيئة الذي تأسس منذ 1980 وتمت إعادة هيكلته سنة 1995، وأنيطت به مهمة حماية وتحسين البيئة حسب المادة (2) من مرسوم الوزير الأول (20 يناير 1995)، بقي بعيدا كل البعد عن لعب دوره، ودوراته لا تنعقد بشكل منتظم إذ انعقدت فقط 7 دورات من أصل أزيد من 30 التي يتوجب أن تنعقد بإيقاع دورتين في السنة. فيما تضم هيكلته ممثلي القطاعات الرسمية فقط، في الوقت الذي يمكن أن يضاف ممثلون للجمعيات المهنية والمتخصصة والهيئات الخاصة بقصد الاستشارة لا غير.
ولم يسبق لهذا المجلس أن استشير بشكل فعلي وحقيقي في إقرار سياسات بيئية في البلاد، وحتى خلال صياغة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة لم يكن له حضور يذكر. بالإضافة إلى المجلس الأعلى للماء والمناخ والذي من مهامه إبداء الرأي ودراسة مخططات التنمية المندمجة لموارد المياه بالأحواض المائية ولاسيما توزيع الماء بين مختلف القطاعات المستعملة وبين مختلف جهات البلاد أو نفس الحوض، وهذا في إطار مقتضيات المادة (13) من قانون الماء 10-95. وقد بقي كسابقه خارج الدينامية الفعلية للسياسات التي تهم قطاعي الماء والبيئة. الشيء الذي لم يعد مقبولا في ظل الدستور الجديد ويتوجب معه إعادة النظر في الأدوار الحقيقية لهذه المؤسسة.
● هل يمكن الحديث عن الريع فيما يتعلق بتدبير قطاع البيئة والموارد الطبيعية؟
●● يمكن القول أن البيئة ولعقود طويلة بقيت ومعها مختلف الموارد الطبيعية مرتعا لممارسات الريع المختلفة وهنا يتعين وبدون تردد الالتزام بما ورد في البرنامج الحكومي بخصوص العمل على الحد من الاحتكارات والاستثناءات والعمل على تعويض نظام التراخيص والامتيازات في مجال استغلال المقالع والصيد البحري مثلا بدفاتر تحملات تحدد الشروط الموضوعية للاستفادة منها في إطار المساواة وتكافؤ الفرص، مع اللجوء أيضا إلى طلبات العروض المفتوحة. وينبغي أيضا في هذا الإطار التعجيل بتنفيذ هذه الالتزامات مع وقف النزيف ومعالجة الوضعيات الحالية ومواكبة كل ذلك بالتعديلات والمبادرات القانونية اللازمة وأيضا تفعيل دور مجلس المنافسة وتقوية صلاحياته بهذا الخصوص.
كما يسجل الاستمرار في اعتبار الشأن البيئي خارج الأولويات، إذ رغم أهميته فقد ظلت قضايا البيئة خارج الأولوية وتخضع لمنطق التعامل الشكلي البروتوكولي وللأساليب الاستعراضية والإيقاعات المناسباتية»حملة نظافة هنا»، وعرض تحسيسي هناك، مما يجعل التوجهات والبرامج الحكومية تضل رهينة ضغوط المطالب الاجتماعية الآنية والملحة، مما يبعد من دائرة الاهتمام كثيرا من القضايا الأخرى وعلى رأسها تلك المرتبطة بالبيئة. ناهيك عن تعقد المساطير والإجراءات الإدارية، فعلى سبيل المثال في مجال استغلال المقالع ومن أجل الحصول على الرخصة الخاصة يتم إيداع الملف لدى المديرية الإقليمية للتجهيز التي تعرضه على اللجنة الإقليمية لتتبع المقالع، وضمن هذا الملف نجد نسخة من دراسة التأثير على البيئة التي تشمل باقي مضامين الملف. فلماذا لا يتم تخويل اللجنة الجهوية لدراسة التأثير على البيئة صلاحية إصدار تراخيص المقالع تفاديا لهذه المسطرة البيروقراطية التي تؤدي إلى عدم وضوح المسؤوليات وتخلق ظروف غياب الشفافية؟
● بصفتك أستاذا باحثا في المجال، ما هو موقع البيئة في قطاع التربية ودور الإعلام إلى جانب مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية؟
●● يبدو أن أهداف التربية البيئية أصبحت خارج الأولويات، فبالنظر إلى الإشكالات العامة التي تعرفها المدرسة المغربية ومختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فهي لم تعد مؤهلة حتى أن تضمن لروادها الحد الأدنى من مستويات التربية البيئية. إذ أن التربية البيئية في البرامج التربوية والتعليمية والإعلامية المختلفة تعاني من ضعف إدماج المفاهيم البيئية والاقتصار على الجانب المعرفي في هذا المجال، إلى جانب غياب التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال التربية البيئية، وضعف الإمكانيات والمؤهلات التي تستلزمها التربية البيئية، وكذلك وجود مشكل عام مرتبط بعدم الحسم في المقاربات التربوية المعتمدة في مجال التعليم. وقد أصبح من المفروض أن تتوحد مختلف القطاعات وعلى رأسها قطاع البيئة لإقرار سياسة حقيقية في مجال التربية البيئية لأن هذا الأمر لم يعد من المقبول أن يسند حصريا لقطاع الترية والتعليم بمفرده. وفيما يخص الفضاء الإعلامي فقد أصبح يعرف جملة من التناقضات وهو فاقد للذوق وللقيم وبالتالي لا يمكن له أن يلعب الدور المطلوب في تربية الحس البيئي وأداء الرسالة البيئية الطاهرة. ونجد أن المشهد الإعلامي يستجمع مختلف أشكال التناقضات والسلبيات، من خلال المادة الإشهارية التي تسيطر عليه وتجعله واجهة لقيم الاستهلاك والتبذير والإسراف مما يتناقض تماما مع روح وفلسفة المحافظة على البيئية. كما تعمه التناقضات، إذ يتم الانتقال من وصلة بيئية إلى وصلة تناقضها تماما ويعطي القدوة السيئة للناشئة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك فهو إعلام مناسباتي موجه ضعيف التخصص والإنتاجية. فضلا عن ضرب الحصار على المعلومات البيئية، في ظل الدستور الجديد الذي لم يعد فيه مقبولا أن تبقى المعلومات البيئية محاطة بالتكتم والسرية باعتبارها معلومات عمومية قد تفيد الأفراد والمؤسسات في اتخاذ القرارات المناسبة والمساهمة في إنجاح السياسات العمومية في هذا المجال.
إن تعميم المعلومة البيئية يمثل مدخلا أساسيا لحماية الموارد الطبيعية والمحافظة عليها، و يمكن من إشراك العموم في صيرورة تلك الحماية وخلق رأي عام مساند للقضايا البيئية، ويمنع من تفشي الاستغلال الريعي للموارد الطبيعية. ونشر المعلومات البيئية سيمكن من زعزعة البنية السيكولوجية والاجتماعية لاقتصاد الريع في المجال البيئي، كما وقع حين تم نشر لائحة المستفيدين من «كريمات» النقل مؤخرا.
● ماذا تقترح للحيلولة دون استمرار الإضرار بالبيئة، وهل جاء قانون المالية 2014 بجديد في هذا الشأن؟
●● أعتقد أن إعادة الاعتبار لهبة القانون وللقاعدة القانونية سيمثل عاملا حاسما في التصدي لهذه التجاوزات. فمثلا رغم الاعتراف الرسمي بالتجاوزات الخطيرة في مجال استغلال المقالع من خلال الدورية المشتركة ل8 يونيو 1994 ومنشور الوزير الأول رقم 06/2010 بتاريخ 14 يونيو 2010، ورغم الأرقام المهولة المسجلة والمصرح بها رسميا بهذا الخصوص ومنها كون 5 في المائة من الرمال المستعملة غير مصرح بها مما يعني أن أزيد من 11 مليون متر مكعب من تلك الرمال لا تستفيد من مداخلها لا الجماعات المحلية ولا الجماعات السلالية. ورغم كل ذلك لم نسمع بتطبيق القانون وتنفيذ الجزاءات بهذا الخصوص والمنصوص عليها في المواد (55) إلى (60) من القانون 01-08 المتعلق باستغلال المقالع الذي بقي مع الأسف موقوف التنفيذ لسنوات طويلة.
كما يعتبر قانون دراسة التأثير البيئي 09-03 مفتاحا أساسيا لفرض احترام البيئة وحسن تدبير مواردها في مختلف الأنشطة والاستغلاليات والذى يكتسي تطبيقه أهمية خاصة في هذا المجال. ولكن بعد إجراء إصلاحات مسطرية يستوجبها هذا القانون بالضرورة. وهنا نثمن استمرار القطاع في تبني برامج هامة ضمن الميزانية الجديدة ونخص بالذكر منها مسلسل أجراة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة وبرامج التأهيل البيئي والمحافظة على البيئة والرصد والوقاية البيئية واليات التحفيز وبرامج التحسيس والتربية البيئية وبرامج الشراكة الوطنية والتعاون الدولي.
ولكن في المقابل ندعو إلى تجاوز السلبيات المسجلة بخصوص هذه البرامج من حيث عدم نجاعة بعضها و التعثرات المسجلة في التنزيل وعدم كفاية الموارد المخصصة لها. كما نثمن الاجراءات الجديدة المرتبطة بعصرنة وتقوية الإدارة والمصالح الخارجية والمخططات الجهوية للتخفيف من تأثيرات التغير المناخي ومشروع الحصول على الموارد الجينية وفق بروتوكول ناغويا ودعم وتفعيل المراصد الجهوية. بالإضافة إلى تتبع وتنفيذ قرارات مؤتمرات الأطراف الخاصة باتفاقيات دولية وتحسين أداء دراسات التأثير البيئي وإقرار نصوص تشريعية جديدة وتجهيز الجمعيات الشريكة بأدوات الاشتغال وبرامج تحسيسية وتربوية جديدة والعودة إلى تنظيم جائزة الحسن الثاني للبيئة وإحداث الشرطة البيئية من خلال تعيين 100 مفتش محلف في مرحلة أولى.
● ما هي توجيهاتكم للوزارة الوصية وهل تقترحون تدابير عملية بناء على تجارب تذكر للنهوض بالشأن البيئي في بلادنا؟
●● أولا لابد من إعادة النظر في مهام الوزارة بشكل جذري في أفق جعلها سلطة حكومية تعمل فقط على مواكبة ومراقبة مختلف الأنشطة والبرامج ذات العلاقة بالبيئة والسهر على وضع السياسة العمومية الخاصة بالمجال وتتبعها والتنسيق بين مختلف القطاعات، وخلق الشروط المناسبة والآليات التحفيزية للنهوض بالشأن البيئي ومتابعة تنفيذ وتنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. وهذا مع تخليص القطاع من الطبيعة الإجرائية التنفيذية فلم يعد من المعقول أن يتبنى القطاع برامج ميدانية يسهر عليها مباشرة تعيق طاقاته المختلفة وتكبلها وتحول دون قيامه بمهامه الأصلية الحقيقية.
بالإضافة إلى فصل القطاع عن الوزارة الأم فلا يصح أن نجمع في قطاع واحد البيئة مع الأنشطة الأخرى الملوثة للبيئة والمبددة للموارد. ولابد الاستفادة من تجارب دولية سبقتنا في المجال ونذكر من ذلك التجربة الأمريكية فيما يخص مؤسسات حماية البيئة والمرتكزة على نمط الوكالات التي تكون قوية على مستوى الخبرات والوسائل المادية والصلاحيات الواسعة، وأيضا نظام إقرار سياسات محلية في المجال البيئي ومن ذلك مثلا قانون محاربة الانبعاث الغازي المتميز لولاية كاليفورنيا والنظام التربوي الخاص بها. وأيضا التجربة السويسرية المتميزة بتراتبية القوانين من خلال قوانين ذات طبيعة محلية وقوانين على مستوى الكانتونات وقوانين وطنية فدرالية. وكذلك التجربة اللبنانية في إقرار صندوق وطني للبيئة ونظام لتعميم المعلومات البيئية والتجربة التونسية في مجال التربية والتحسيس والتواصل. وأيضا التجربة السودانية فيما يرتبط بالمجلس الأعلى للبيئة والتنمية المستدامة باختصاصات واسعة وكبيرة.
وختاما ضرورة الانطلاق من مرجعيات حقيقية وأصيلة تؤطر بشكل مستمر برامج وقضايا البيئة، منها بالخصوص المرجعية الأخلاقية ذات الطابع العالمي الإنساني، إذ لابد هنا من تجاوز أخطاء الماضي حيث كانت التعاقدات عموما خصوصا في المنظومات الليبرالية تتم بين أطراف المصلحة خصوصا منها الأطراف القوية ولا تكون البيئة فيها طرفا. ولابد أيضا من تجاوز نفس الاستبداد في التعامل مع الموارد الطبيعية والتحول إلى التعامل المؤسس على الاستغلال الحكيم للموارد الطبيعية والمحافظة عليها. ولابد أيضا من إقرار نظام للأخلاق الإيكولوجية التي تعني القيود الموضوعة على حرية الفعل في الصراع من أجل البقاء. كما أن الخيار المحوري في التحول الأخلاقي يقضي بتغيير النظرة إلى التنمية من النظرة المؤسسة على القيم المادية والمالية والتي تترجم بمؤشرات مادية مختلفة منها الناتج الداخلي الخام(PIB)ولا تأخذ بعين الاعتبار قيمة التدهور البيئي، والتي تؤسس أيضا لتمثلات ذهنية خاطئة، مثلا التمثل الذهني للفقر في المغرب قد نربطه بالبناء بالطين والعيش بمقومات طبيعية.
وأخيرا، لابد من الأخذ بعين الاعتبار لأسس هويتنا الوطنية لأن معالجة الإشكالات والاختلالات البيئية مرتبط بتغير السلوكات والذي لا يتأتى إلا من خلال المداخل التربوية والتعليمية والتحسيسية والتي بدورها لن تكون ناجحة إلا إذا قامت على قيم هوية الفرد ومرجعيته خصوصا الدينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.